لم يعد من الصعب الكشف عن كثير من مخططات الحكومة العراقية ودوائر صنع القرار بالنظام السياسي، فسرعان ما تحول التسقيط السياسي بين الشركاء الخصوم إلى ريح عاتية فتحت كواليس المنطقة الخضراء، وكشفت عما دار ويدور فيها اليوم.
فبعد التصريحات النارية لنائب رئيس الجمهورية المقال، نوري المالكي، الذي اتهم فيها القيادي بالتيار الصدري حاكم الزاملي بإدارة فرق موت للقتل على الهوية الطائفية خلال تسنم الأخير منصب وكيل وزارة الصحة بالعامين 2005 و2006 ذروة الفتنة الطائفية التي ضربت البلاد حينها، رد الزاملي على المالكي بوصفه مهندس مجازر الحويجة والأنبار، علناً عبر الفضائيات.
حيث كشفت مصادر حكومية وأخرى برلمانية عراقية عن أسباب رفض الحكومة العراقية إدخال النازحين السنة للعاصمة بغداد، وبناء مخيمات لهم في الصحراء بتمويل من بعثة الأمم المتحدة ببغداد، ونقل عشرات الآلاف الآخرين إلى إقليم كردستان، الذي استقبلهم لأسباب إنسانية بحتة لم ترتق لها بغداد، كعادتها منذ الاحتلال وحتى اليوم.
ووفقاً لما قاله مسؤول عراقي رفيع لـ”الخليج أونلاين”، يقيم في العاصمة الأردنية عمّان، فإن “التسريبات التي تلت المناوشات الإعلامية بين قيادات التحالف تؤكد أن إيران هي من تقف وراء منع دخول النازحين، وبالتحديد السفير الإيراني ببغداد؛ الذي ضغط لعدم إدخالهم واقتراح نظام الكفيل ومن ثم إغلاق العاصمة بوجوههم بشكل كامل”.
ويضيف المسؤول، مفضلاً عدم ذكر اسمه، أن “الجناح المتطرف داخل التحالف الوطني الشيعي الموالي لإيران وجد في دخول عشرات الآلاف من العوائل السنية لبغداد ضياعاً لجهود 12 عاماً من عمليات التغيير الديموغرافي التي نفذتها لأجل ترجيح كفة طائفة على أخرى بالعاصمة، وتغيير أحياء سكنية كاملة من خلال طردهم أو تهديدهم”.
ويضيف المسؤول، وهو أحد الوزراء الذين شملتهم ورقة الإصلاح الثانية للعبادي بتقليص عدد أعضاء كابينته الوزارية: إن “المليشيات هي من كانت تعارض دخول العوائل السنية لبغداد خوفاً من استعادة العاصمة طبيعتها السكانية السابقة التي يغلب عليها السنة، ومن ثم ضياع جهود إجرامية للمليشيات، والأجندة الإيرانية التي خططت لإفراغ العاصمة من السنة”.
وبيّن أن “العبادي رضخ لتلك الضغوط مضطراً في منع دخولهم، وهو ما تسبب بوفاة العشرات من الأطفال والنساء على حدود العاصمة بعد بقائهم لأيام بالشمس بلا طعام أو شراب، حيث هربوا من بطش تنظيم داعش على الأرض، وفتك البراميل التي تلقيها الطائرات من السماء”.
ويتابع الوزير العراقي المقال، في حديثه لـ”الخليج أونلاين”، أن” الخوف من عودة المعادلة السنية الشيعية، واستقرار النازحين ببغداد، خاصة أن أغلبهم من ميسوري الحال القادرين على الشراء والتملك، هو الدافع إلى منعهم، حيث كانت المليشيات ترغب بتخفيض نسبة السنة إلى أدنى مستوى ببغداد، وجاء النزوح لتضيع جهودهم هباء”.
وأوضح أن “العبادي اضطر، في الثاني من يوينو/ حزيران الماضي، إلى إصدار قرار بمنع بيع المنازل والعقارات للنازحين في بغداد من محافظات الأنبار ونينوى وصلاح الدين وديالى وكركوك، وهو دليل على هذا”، مشيراً إلى أن “التغيير الديموغرافي الذي سيحدثه النازحون السنة ببغداد هو السبب الرئيس لمنعهم، وتم وضع غطاء الخوف من اندساس عناصر داعش بينهم كحجة قابلة للتصديق من قبل الأمريكيين والدول العربية التي استنكرت ذلك”.
وفي سياق متصل، ذكر مصدر في مجلس محافظة بغداد لـ”العربي الجديد”، أنّ “مجلس المحافظة تلقى طلباً من اللجنة الأمنية التابعة له، يحذّر من تمركز النازحين في بغداد، وما للموضوع من مخاوف على إحداث تغيير ديموغرافي في العاصمة، التي تسعى الحكومة إلى الحفاظ على تركيبتها السكانيّة”.
وأضاف المصدر، الذي طلب عدم الإشارة إلى اسمه، أنّ “الطلب حذّر أيضاً مما وصفه بخطورة شوكة النازحين، خاصة أنهم عشائر وتربطهم علاقات قرابة وجوار في مناطق نزوحهم التي جاؤوا منها وأنّ ارتباطاتهم غير معروفة، كأهالي بغداد، الذين تتوفّر المعلومات الكاملة عنهم، وعن أعمالهم وارتباطاتهم، الأمر الذي ستكون له تداعيات مستقبليّة خطيرة على أمن العاصمة”.
وأكّد المصدر أنّ “مجلس المحافظة عقد اجتماعاً طارئاً على إثر التقرير، بحضور اللجنة الأمنية ولجنة النازحين، وبحث إيجاد حل لهذه الأزمة”.
وأوضح: أنّ “اللجنة اتخذت قراراً من المقرر إعلانه خلال أيام، وهو استيراد بيوت جاهزة لهم من المنحة الدنماركية وبمساعدة الأمم المتحدة، وإخراجهم لإسكانهم في منطقة الزيتون بمدينة أبو غريب، 30 كم غرب بغداد”.
من جهته، يرى عضو تحالف القوى العراقية، علي الجنابي، أنّ “هذه الخطوات نابعة من مخاوف حكوميّة من الوجود السنّي في بغداد، في الوقت الذي تسعى هي فيه لإضعافهم مقابل قوّة شوكة المليشيات”.
وقال الجنابي: إنّ “الحكومة تحسب على كل المكونات العراقيّة، لكنّها للأسف لم تعمل ولم تتخذ أيّة خطوة لإظهار حسن نيتها تجاه المكون السني، بل على العكس تماماً؛ أظهرت عدم الثقة بهم، وعاملتهم على أنّهم مواطنون من الدرجة الثانية”.
ودعا الجنابي منظمات المجتمع الدولي والمنظمات الدوليّة إلى “أخذ دورها في تذليل ما يعانيه النازحون في العراق، ومتابعة معاناتهم ومد يد العون لهم، بعد أن أهملتهم الحكومة وتسعى اليوم لإخراجهم من بغداد”.
المصدر : الخليج أون لاين