الأمر المؤكد، أن انعقاد القمة في الأردن ، شكل واحداً من أهم أسباب نجاحها في تحقيق هذا الحشد الكبير، الذي جاء تلبية لدعوة العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، تقديراً لشخصه وجهوده في الحفاظ على علاقات طيبة مع جميع الدول العربية، وتعاطفاً مع الأردن، الذي يواجه بسبب موقعه الجغرافي وحدوده مع سوريا، التي تمتد 78 كيلو متراً.
وتشابكه القوي مع القضية الفلسطينية، ظروفاً عصيبة، نتيجة تدفق أكثر من مليوني لاجئ، معظمهم من السوريين، وبعضهم من العراق وليبيا، يشكلون عبئاً اقتصادياً على دولة لا يزيد عدد مواطنيها على سبعة ملايين نسمة، كانت دائماً في صدارة دول المواجهة التي تحتفظ بجيش قوى يحافظ على حدودها وأمنها الوطني.
خلال زيارة نظمها الديوان الملكي لعدد من الصحافيين العرب، الذين حضروا قمة عمان، استضافهم حرس الحدود الأردني في منطقة الرمثا على الحدود الأردنية السورية، ليروا على الطبيعة الوضع في منطقة الحدود، حيث توجد القوات الأردنية بطول الحدود مع سوريا، دفاعاً عن أمن الأردن ضد أية محاولة اختراق تأتى من وراء الحدود السورية،.
حيث توجد قوات الجيش السوري الحر، تسيطر على بعض قوى سهل اليرموك في مواجهة عناصر تنظيم داعش، التي يصل عددها في هذه المنطقة إلى نحو ثلاثة آلاف مقاتل، يسيطرون على العشرات من قرى سهل اليرموك بتلاله الخضراء المزروعة زيتوناً وفاكهة وقمحاً في منطقة سد الوحدة.
يتبادل «الدواعش» مع الجيش السوري الحر، التراشق وعمليات الكر والفر، التي كثيراً ما تكون الغلبة فيها لـ«داعش»، ويتبادلون السيطرة على بعض القرى، ويذهب الجرحى إلى الجانب الأردني.
فيما يتدفق على الأردن كل يوم مئات المهاجرين، خاصة في منطقة الركبان، وصلت أعدادهم إلى حدود 130 ألفاً خلال الأسابيع الأخيرة، ما زاد من أعداد المهاجرين السوريين إلى الأردن إلى نحو ما يقرب من المليون ونصف المليون مهاجر، ينتظرون التسوية السلمية للأزمة السورية، التي تؤكد القرائن والشواهد والأدلة، أن أمدها الزمني يمكن أن يطول إلى عامين أو أكثر، وفقاً لما أسره المبعوث الأممي إلى سوريا دي ميستورا، إلى أمين عام الجامعة العربية، أحمد أبو الغيط، في لقائهما الأخير قبل انعقاد القمة.
ربما لا تفي قرارات قمة عمان بشأن الأزمة السورية، بالحد الأدنى من الرضا العربي والعام، الذي يتوق إلى سرعة إنهاء الحرب وإنجاز التسوية السياسية.
لكن أحداً لا يستطيع أن يلوم القمة أو يتهمها بالتقاعس، لأن تعدد اللاعبين الدوليين والإقليميين، يزيد من تشابكها وتعقيدها، كما يطيل أمدها الزمني، وهذا هو الدرس البليغ الذي يلزم العرب ضرورة حل مشكلاتهم داخل البيت العربي، بدلاً من اللجوء إلى قوى الخارج.
فضلاً عن أن الشوط لا يزال بعيداً أمام وفدي الحكم والمعارضة للوصول إلى توافق كامل حول عناصر التسوية، وطبيعة المرحلة الانتقالية، وبنود الدستور الجديد، والإجراءات الواجبة لضمان نزاهة الانتخابات البرلمانية والرئاسية، التي يتحتم أن يشارك فيها أكثر من عشرة ملايين مهاجر سوري يعيشون في الخارج.
لا جدال في أن كل حضور قمة عمان، حققوا إنجازاً مهماً، بتوافق كل الأطراف المعنية على العناصر الأساسية للموقف العربي من القضية الفلسطينية، بحيث يتحدث الجميع بلغة واحدة أمام الإدارة الأميركية الجديدة.
ربما يكون ذلك أحد أهم إنجازين حققتهما قمة عمان، حيث توافق الجميع على أن السلام هو الخيار الاستراتيجي الذي ينحاز له كل العرب من الخليج إلى المحيط، في إطار المبادرة العربية التي تنص على قيام دولة فلسطينية على حدود 67، عاصمتها القدس الشرقية، تعيش في سلام إلى جوار دولة إسرائيل.
وتؤكد مبدأ كل الأرض مقابل كل السلام، وعلى حتمية حل الدولتين، لا تقبل بخيار آخر.
وترفض أي تعديل على شروط المبادرة، التي تستوجب انسحاب إسرائيل من كل الأراضي التي جرى احتلالها قبل قيام سلام تعاقدي بين إسرائيل وكل الدول العربية والإسلامية، يزيل كل أوجه مشكلة الصراع العربي الإسرائيلي، ويضمن قيام علاقات سلام طبيعية بين إسرائيل والعرب، تحقق سلام وأمن جميع دول الشرق الأوسط.
لا أظن أن أحداً يختلف على أن الإنجاز الكبير لقمة عمان، يتمثل في لقاء الملك سلمان والرئيس السيسي، الذي بدد سحابة صيف خيمت على العلاقات المصرية السعودية، في لقاء استمر أكثر من نصف ساعة، حضره كل أعضاء الوفدين المصري والسعودي في قاعة جانبية، إلى جوار قاعة المؤتمر، خرج إليها الملك سلمان والرئيس السيسي بعد أن تصافحا.
بهذا المشهد الختامي الرائع، تضاعفت آمال الجميع في قدرة العرب على عبور أزمتهم الراهنة، إلى مرحلة جديدة من العمل العربي المشترك، تمكن العرب والمجتمع الدولي من القضاء على داعش قبل نهاية عام 2017، وتتيح آفاقاً واسعة للنهوض بمشروعات التنمية الكبرى، تحدد وتطور البنية الأساسية للعالم العربي.
وتحدث مؤسساته الفكرية والثقافية والتعليمية، بما يمكن العرب من دحر أفكار الإرهاب، وسد كل الثغرات والمنابع والأبواب التي يتسرب منها أفكاره الظلامية إلى عقول الشباب.
ولأن توافق القاهرة والرياض، يعنى باختصار لم شتات العالم العربي وتوحيد صفوفه، لم تعد قمة عمان هي قمة الحد الأدنى من التضامن العربي، كبرت القمة لتفتح طريقاً واسعاً للعمل العربي المشترك، ترتقي بالتضامن العربي إلى آفاق التعاون والتكامل، بما يمكن الأمة من مواجهة تحدياتها الصعبة.