نون والقلم

واشنطن..قبلنا بالأسد

شون سبايسر، المتحدث باسم البيت الأبيض، ألقى قنبلة مدوية، «بالنسبة للأسد، فإنه يوجد واقع سياسي علينا القبول به». السبب؟ أن للولايات المتحدة أولوية أهم ألا وهي محاربة تنظيم داعش في العراق وسوريا، هذا التبرير الرسمي للمتحدث الرئاسي الأميركي.

في الواقع الرئيس الاميركي دونالد ترمب، بإعلانه الخطير هذا، لم يخرج عن خط تعهداته التي اعلنها خلال حملته الانتخابية. حينها انتقد ترمب سياسة سلفه الرئيس باراك اوباما لأنه ترك ايران تستولي على العراق وإيران لكنه قال انه عند توليه الرئاسة سيركز على محاربة التنظيمات الإرهابية بالتعاون مع الروس.

السؤال الصعب كيف يستطيع ترمب محاربة النفوذ الإيراني وداعش وفِي نفس الوقت يتعاون مع نظام دمشق؟

قبل الحرب الأهلية في سوريا كانت علاقة دمشق بنظام طهران استراتيجية، وتسببت في تدهور علاقة نظام الأسد بدول معسكر الاعتدال، مثل دول الخليج العربي ومصر آنذاك. كما إن الولايات المتحدة التي كانت غارقة في ازمتها في العراق، بعد الاحتلال، اتضح لها أن ايران استخدمت سوريا كمركز استقبال وتأهيل الإرهابيين من أنحاء العالم للقتال في العراق تحت علم القاعدة طوال ست سنوات دامية.

ومنذ بداية الانتفاضة في سوريا كانت معظم دول الخليج العربي راغبة في تفاديها، لولا أن دمشق فضلت الطريق الصعب، التعاون مع ايران لمواجهة الانشقاقات الواسعة ومحاربة المعارضة المسلحة. والحقيقة فشل دعم ايران العسكري في إنقاذ النظام، وما كان له أن ينجو إلى هذه المرحلة الحالية، او ما سماه سبايسر بالواقع السياسي الجديد، لولا التدخل الروسي الضخم عسكريا. روسيا، وليست ايران، هي التي أعطت دمشق قبلة الحياة سياسيا وعسكريا.

وإذا قبلنا بهذه الحقيقة، فانه ينبغي على النظام السوري أن يقبل بها أيضا. إيران هي المشكلة بالأمس وهي المشكلة غدا، وإيران سبب نزاع دمشق مع دول المنطقة العربية التي هي في حالة دفاع عن نفسها ضد التمدد العدائي والتخريب الإيراني الذي لم يتوقف. هذا النزاع العربي مع نظام آية الله، لا علاقة له بالخلافات العربية مع نظام بشار الأسد الذي لم يحسن إدارة علاقاته مع الدول العربية بخلاف ما كان يفعله الرئيس الراحل حافظ الأسد، الذي أبقى على شعرة معاوية مع الجانبين، وكان وسيطا إيجابيا في كل الخلافات بين ضفتي الخليج العربية الإيرانية.

من المحتمل أن تتحول الدول الخليجية نحو التعامل بإيجابية مع «الواقع السياسي الجديد»، وهو الأمر الذي سبقته إليه تركيا منذ عزل احمد دَاوُدَ اوغلو وتعيين بن علي يلدرم رئيسا للوزراء. هنا السؤال الأول، هل يرغب نظام دمشق في إنهاء الوجود العسكري الإيراني من على أراضيه أم لا؟ والسؤال المكمل له، هل حقاً يستطيع لو قرر التخلص من فيلق القدس الإيراني، وميلشياته اللبنانية والعراقية والباكستانية والأفغانية، التي تقدر مجتمعة بنحو خمسين ألفاً على الأقل؟.

الرغبة في حل سياسي للازمة السورية هو مشروع المعارضة السورية منذ اكثر من ثلاث سنوات، منذ ان اتضح أن أياً من الطرفين لن يكسب الحرب بقوة السلاح. الخلاف كان، ولا يزال، يدور على صيغة الحل ويمكن أن نقول اليوم انه فشل، فالأسد استأثر بكل شيء، او يظن انه كذلك. إنما الحقيقة أن سوريا صارت إناءً مكسوراً، ولنر كيف يستطيع إصلاحه سياسيا وإداريا وأمنيا بدون دعم الدول العربية المعتدلة.

المعادلة الصعبة المقبلة، في حال تم الاتفاق على بقاء نظام الأسد، هي في إخراج ايران من القصر الرئاسي في دمشق. باستمرار نظام آية الله يسيطر على مفاصل الدولة السورية أتوقع إن لا تشهد سوريا استقرارا مهما أجمعت قوى العالم، ولا أقول هذا من باب الإنكار الأخلاقي على ما يحدث بل أيضا لأن الواقع السوري نفسه اكبر من ايران وروسيا ونظام دمشق. الواقعية تتطلب فهم هذه الجوانب، وهو أن وجود ايران وميلشياتها على الأرض السورية سيفشل أي اتفاق يوقعه أي فريق.

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى