الحضور الكبير للزعماء العرب لأعمال القمة العربية يشير إلى أن الإحساس بخطورة الأوضاع في المنطقة أصبح يشمل الجميع، وأن القلق من تطورات المستقبل لم يعد يستثني أحداً. وأن التغريد خارج السرب العربي قد أثبت فشلاً ذريعاً.
إن إدراك الجميع أن التدخلات الخارجية قد أصبحت خطراً يوازي خطر قوى الإرهاب التي كان إطلاقها طريقاً لهذه التدخلات، لم يجد طريقه فقط ليكون بنداً في إعلان القمة يحذر من الخطر ويطالب بوقوفه.. لكنه كان أيضاً باعثاً للبحث عن طريق «عربي» جديد.
ورغم غياب رؤية عربية واضحة للتصدي للخطر ووقف المأساة التي تمر بها الأقطار العربية إلا أن ما حدث من لقاءات للتوافق خاصة في الجانب المصري والسعودي يفتح الباب أمام إمكانية العمل لامتلاك هذه الرؤية رغم أي اختلافات على التفاصيل!
إن عودة القضية الفلسطينية إلى صدارة المشهد، حتى لو جاءت في مجال «رد الفعل» هو أمر جيد، خاصة بعد أن جاء الموقف العربي في القمة مؤكداً للمبادرة العربية التي عرضت – قبل خمسة عشر عاماً- كل السلام مقابل كل الأرض، مع رفض المطالب الأميركية بتعديلها أو تقديم المزيد من التنازلات الأجنبية لإسرائيل.
يرتبط بما سبق الاجتماع الأهم الذي شهدته القمة بين الرئيس المصري والعاهل الأردني والرئيس الفلسطيني، بحضور الأمين العام للجامعة، وذلك لتنسيق المواقف قبل زيارات الزعماء الثلاثة «كل على حدة» للعاصمة الأميركية للقاء الرئيس ترامب وأركان الإدارة الأميركية، وهي الزيارات التي بدأها بالفعل الرئيس المصري الذي يلتقي غداً ترامب.
التنسيق مهم بين الزعماء الثلاثة، والصوت العربي – بالنسبة للقضية الفلسطينية – ينبغي أن يكون واضحاً ومحدداً وأن يحمل رسالة واحدة تحمي الحقوق الفلسطينية!
حاملين رسالة القمة في الأردن بشأن الدور الأميركي في المنطقة، والرؤية العربية للقضايا الأساسية في الحرب ضد الإرهاب، وفي إنهاء التدخلات الأجنبية المعادية في الشؤون العربية، وفي حل القضية المركزية للعرب وهي القضية الفلسطينية.. يذهب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وبعده العاهل الأردني الملك عبد الله والرئيس الفلسطيني محمود عباس «أبو مازن» للقاء الرئيس الأميركي ترامب وأركان إدارته. الإدارة الأميركية تقول إن أولوياتها الآن هي القضاء على «داعش». هذا أمر جيد يعوض التهاون الأميركي بهذا الشأن في مرحلة سابقة. والموقف الأميركي يتحسن بشأن الصراع في اليمن خاصة بعد التهديد الإيراني للممرات الدولية.
في لقاء الزعماء العرب الثلاثة مع الإدارة الأميركية سيكون مطروحاً ملف الإرهاب. وسيكون السؤال الأميركي حول دور الدول العربية «وفي المقدمة مصر والسعودية» في الحرب ضد «الفكر» الداعشي، وسيكون السؤال «من الجانب المصري بالذات» عن الموقف من باقي «الدواعش» وفي مقدمتهم جماعة الإخوان!
وسيكون الملف الفلسطيني حاضراً بقوة، بعد أن «اكتشفت!» الأجهزة الأميركية أن القضاء على الإرهاب في المنطقة والعالم، يستلزم التوصل لحل للقضية المركزية في المنطقة وهي الصراع العربي- الإسرائيلي.
الرئيس الأميركي ترامب سبق أن تحدث عن «الصفقة الكبرى» التي تحل القضية.
والفكرة الأساسية فيها أنه لا بديل من أن نبدأ بحل الصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين لنحقق السلام- بعد ذلك- مع كل الأطراف العربية، فإن «الصفقة الكبرى» تقفز على جوهر الصراع، لتقول إن تحقيق «صفقة رابحة» بين العرب والإسرائيليين ستؤدي بالضرورة إلى حل القضية الفلسطينية!
ودون الحاجة لمناقشة هذا الطريق العابر لجهور الصراع.. فإن ما يبدو على السطح بلا مواربة، هو التحيز الصارخ من جانب الإدارة الأميركية إلى الجانب الإسرائيلي. ولعل تصريحات المندوب الأميركية في الأمم المتحدة بأن عهد «الانحياز ضد إسرائيل» قد انتهى، والتهديد بعدم سداد ما تساهم به أميركا في ميزانية الأمم المتحدة، إذا لم تتراجع عن قراراتها بإدانة الاستيطان والممارسات «العنصرية» لإسرائيل.. لعل كل ذلك يعطينا صورة لما يريده «راعي الصفقة الكبرى» من صفقة تتم في أسوأ الظروف بالنسبة للعرب!
في المؤتمر الصحافي مع نهاية القمة العربية بدا الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط متحفظاً على نتائج الزيارة العربية لواشنطن بعكس وزير الخارجية الأردني. أبو الغيط قضى حياته الدبلوماسية في هذا الملف منذ كامب ديفيد قبل أربعين عاماً، نصحنا بالانتظار حتى تتبين لنا الرؤية الأميركية لإدارة ما زالت تبحث عن رؤيتها! فلننتظر حتى تنتهي الزيارات العربية لواشنطن، وحتى نعرف من العائدين من العاصمة الأميركية ما معالم الصفقة الكبرى الموعودة.. وهل نجد فيها الحل، أم هي الطريق إلى المستحيل.. وهو «تصفية» قضية فلسطين، بدلاً من إيجاد الحل الذي يعيد الحقوق المشروعة لضحايا الإرهاب الذي تتساوى فيه داعش مع إسرائيل، مع من هم يحتلون جزراً عربية ولا يتورعون عن التدخل العابث في الشؤون الداخلية العربية!