«حليم –بليغ »…..علاقة من نوع خاص جدا ؛لايوجد لها تصنيف سوى فى دنيا الابداع فكليهما عازف متفرد له مذاق المختلف ..صديقان متقاربان الى حد الذوبان فى بوتقة فنية تخرج عملا خالدا …ومختالفا الى حد القطيعة التى أستمرت سنوات ؛ولكنهما فى النهاية يعرف كل واحد فيهما قدر الاخر ؛ ويبحث عنه محاولا الاحتفاظ به لنفسه ؛ولقد ذهل الكثيرين عندما وقف حليم يقدم الموسيقار الشاب في إحدى حفلاته على المسرح وصفه بـ«أمل مصر في الموسيقى»؛لذلك لم يكن غريبا أقامة بليغ عزاء لحليم بمنزله، وأعلنه الحداد لفترة طويلة، فرحيل حليم جعله فى حالة ذهول حتى إنه رفض أن يغنى أحد لحنا من الألحان التى ألفها بليغ للعندليب، ومنها أغنية «الحب أحلى من حلاوته مفيش»…الرحلة بينهما طويلة ؛ولكن أكثر الاعوام ثراء فى علاقتهما عام 1965 حيث قدما أربع أغنيات ذات المذاق الشعبى وهم «أنا كل ما أقول التوبة» و«على حسب وداد قلبي»، و«إن لقاكم حبيبي سلمولي عليه» و«سواح وماشي في البلاد سواح» والأغاني الأربع مأخوذة من أربع جمل أصيلة من الفلكلور الشعبي..ومع ذلك فأن الاكثر تأثيرا من وجهة نظرى كانت مع نكسة 1967 عندما هزت ألحان بليغ حمدي واداءحليم وجدان الشعب العربى مع كلمات الابنودى، حيث قدم ألحانا لأغاني مثل «عدى النهار» و«أحلف بسماها وبترابها» حملت تلك الجمل الموسيقية الحزينة التي تتجلى في الكثير من أحزان الشعب… وكان الأبنودى قد كتب القصيدة قبل النكسة، وتقول كلماتها: عدَّى النهار والمغربية جايَّة تتخفَّى ورا ضهر الشجر وعشان نتوه فى السكة تاهت من ليالينا القمر وبلدنا على الترعة بتغسل شعرها جانا نهار ماقْدِرْش يدفع مهرها ولم يتمالك حليم نفسه من العرف عند قرأتها ، وأحضربليغ حمدى ليتفرغ الثلاثة «لموال النهار». الغريب أن حليم انتابه حلم متكرر أثناء الاعداد للاغنية وهو أن الناس تحمله فى ميدان التحرير، وهويغنّى «عدَّى النهار»والطريف أنه كان يرى نفسه مرتديا جلباب أبيض ..وأرتبط الكثيرين بالاغنية وخاصة الزعيم عبد الناصر الذى كان يطلب من الاذاعة أذاعتها ..
بليغ كان يامل كثيرا فى حليم ويعلم أهمية البحث عن جديد يقدمه مع دائما ؛لذلك أدخل الموسيقى الالكترونية في « موعود » واستخدم آلة الساكس في « زي الهوا » …حليم كان يريد الاستحواذ ببليغ ؛والبعض يرى أنه لم يكن سعيدا بزواجه من وردة ؛رغم أن حب بليغ ووردة وصفه الأصدقاء بأنه حب روميو وجولييت .. وعندما أنتهى هذا الزواج الذى لم يدم سوى ست سنوات بالطلاق ..جاء حليم معلقا لبليغ :مش قلت لك.. جوازك منها ما ينفعش ؟ ويقال أن وردة وصلتها الكلمة .. واتخذت موقفا عدائيا ضدعبد الحليم حافظ لفترة ما . وتردد فى هذا الوقت أن وردة كانت السبب فى القطيعة التى حدثت بين عبد الحليم وبليغ، عندما تغنى حليم من ألحان موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب برائعة «نبتدى منين الحكاية» كلمات محمد حمزة، و«فاتت جنبنا» كلمات حسين السيد ..ويقال أيضا أن المطربة وردة الجزائرية حاولت منافسة العندليب حليم، وإحياء حفلات الربيع مثل حليم و فريد الأطرش، بعد زواجها من بليغ حمدى و فطن عبد الحليم لاحلام وردة، وفى إحدى الليالى، كانت تحيى حفلاً فنياً فى دار «سينما قصر النيل» وتتغنى بأجمل أغنياتها آنذاك ومنها «العيون السود» و«حكايتى مع الزمن»، وذهب العندليب إلى مكان الحفل ومعه طوق من الورد، وما إن رأى وردة الجزائرية حتى صعد على خشبة المسرح، وصفق لها وألبسها الطوق وسط صيحات الجمهور. وعلى خشبة المسرح قدم العندليب التحية لها، وللجمهور، وغادر الحفل، فخرج الجمهور ورائه، وظلت وردة تغنى المقاعد، ولم يستطع حليم التحرك من كثرة التزاحم حوله، لدرجة أن الشرطة تدخلت لحل الأزمة وأرسلت سيارة «البوكس» التى تقف على مقربة من سينما قصر النيل، وانتشل أفراد الشرطة العندليب من وسط الجمهور ودفعوا به لسيارتهم واصطحبوه لمنزله فى الزمالك، وأحضروا له سيارته بعد ذلك. ، وللاسف أن العلاقة بين الثنائي تغيرت إلى النقيض تمامًا وفاجأ حليم جمهوره مرة أخرى حينما وصف بليغ حمدي بـ«الإرهاب الفني».
وعلل بليغ حمدي ذلك بقوله: «حليم تصور أنني لا أهتم به الاهتمام الكامل لتعاوني مع مطربين آخرين، وهذا كان مخالفًا للواقع تمامًا، ثم لحنت أغنية جديدة باسم «هو اللي اختار» ولكن تأخر تسجيلها وخروجها للنور موسم بعد آخر، وكثر الكلام حول تأخر اللحن فوقع الخلاف الذي استمر لسنوات قليلة».«ثم التقينا وتصافى القلبان ونسي عبدالحليم كل ما قيل عن عدم اهتمامي به، وخاطبني بحرارة: «مش هغنيلك بعد كده ولا إيه؟« وأجبته ضاحكًا: «أنت تؤمر»، وبعدها عادت العلاقة إلى أفضل مما كانت عليه ولم نترك فرصة أخرى لأصحاب النوايا السيئة أن يوقعوا بيننا من جديد».اتفقا على أن يغني حليم اللحن من جديد، ولكن حالته الصحية كانت قد بدأت في التدهور وتطلب ذلك سفره إلى الخارج للعلاج، وبعدها توفي عام 1977، ولم تخرج الأغنية للنور؛ على الرغم من وجود 10 أشرطة كانت تضم بعضها تسجيلات بصوت حليم وأخرى بصوت بليغ حمدي والباقي بصوتيهما معًا، ولم يعرف بليغ مصير التسجيلات بعد رحيل صديقه.ومن المعروف أن العلاقة بينهما بدأت عام 1957 فى فيلم «الوسادة الخالية»؛ حيث كان لحن «تخونوه» هو باكورة إنتاجهما الفني.وبعدها قدم بليغ للعندليب عدة ألحان ناجحة مثل: «خسارة»، «خايف مرة أحب»، «على حسب وداد»، «سواح» وألحان أخرى أدخلت عبدالحليم حافظ إلى عالم الأغنية الشعبية عن جدارة، وهو الذي تخصص من قبل في الأغاني العاطفية والوطنية. وأغنية «التوبة» بدأت فكرتها أثناء خلاف حليم مع بليغ، لكن الأبنودى كان يرى أن بليغ هو الأنسب لهذه الأغنية التى لم يكن قد كتب كلماتها بعد! وذهب الأبنودى لبليغ وأخبره بما حدث، لكن بليغ قال له: «بس أنا وعبدالحليم بينّا زعل»، فرد عليه الأبنودى: «يا سيدى لا بينكم ولا حاجة هو عبدالحليم حافظ وأنت بليغ حمدى»، فصمت بليغ ثم قال: «طيب خلاص علشانك أنت». وذهب الأبنودى وبليغ إلى حليم، وبمجرد أن رأى بليغ، حليم زال كل شىء، وأكلا وشربا وضحكا معًا، ولم يتحدث أحدهما إلى الآخر ولو معاتبا، وفى اليوم التالى بدأ العمل فى أغنية «أنا كل ما أقول التوبة يا ابويا ترمينى المقادير». والمدهش أن الأبنودى، ذهب إلى الاستوديو، ولم يكن قد انتهى من كتابتها، لكنه ارتجلها وهو يجلس مع بليغ حمدى، يكتب «كوبليه» ثم يلحنه بليغ، وهكذا، حتى انتهت واحدة من أشهر أغانى حليم وبليغ والأبنودى. لكن حين جاء موعد تسجيل الأغنية كان عبدالحليم خائفا، ومتوترا فى أثناء التسجيل، فقد كان يشعر بأنه يغيّر جلده كله، لدرجة أنه سجلها مرتين ليطمئن قلبه…
وقد قال حليم عن بليغ :” مشكلة.. أنه يظن أن تلحينه فريد من نوعه.. وأنه سيد الأغنية الحديثة كنت أختلف معه لأنه يزحم نفسه بأكثر من عمل في وقت واحد.. ويسرف في التلحين بإسرافه -قبل زواجه من وردة- في العلاقات العاطفية.. كنت لا آخذ اللحن وحده من بليغ ولكن قبله وبعده مشكلات بليغ شخصيًا.. أنه يعتبرني أخًا.. ولكنه لا يسمع رأي أحد.. أنه يعطيك أذنه ويفكر بطريقته هو.
ومن المعروف أن بليغ كاد يخسر علاقته بأم كلثوم بسبب حليم ؛فقبل سفرهما فى أحد المرات الى المغرب؛ وعد بليغ كوكب الشرق، أنه لن يمكث هناك سوى 5 أيام فقط، ويعود بعدها لإجراء بروفات اللحن الجديد، لكن بعد احتفالات “عيد العرش” تعرض عبد الحليم لأزمة صحية شديدة، ونقله الملك الحسن لإحدى مستشفيات المغرب، وظل بجواره، وصمم بليغ حمدى على المكوث بجوار حليم لحين شفائه والعودة معه للقاهرة، رافضا السفر فى الموعد الذى حدده لأم كلثوم. وبعد تغيب بليغ عن موعده مع الست، أوعز إليها بعض المقربين، حسبما ذكر الشاعر الغنائى محمد حمزة فى كتابه “الملف السرى” لعبد الحليم حافظ، أن العندليب وراء غياب بليغ حتى يعطّل خروج اللحن إلى النور، وثارت الست وأعلنت غضبها على بليغ. عاد بليغ من المغرب وحاول الاتصال بأم كلثوم عدة مرات، وفى كل مرة يتلقى إجابة واحدة لا تتغير، مضمونها «الست مش موجودة يا أستاذ بليغ»، وظن بليغ حمدى أن فى الأمر شيئا، وسأل بعض أصدقائه عن تغير الست معه، فأخبروه أنها غاضبة منه لسماعه كلام عبد الحليم حافظ وعمله على تعطيل البروفات، فأحضر بليغ الصحف المغربية التى كتبت عن حادثة مرض عبد الحليم فى المغرب، والصور التى نشرتها، وقام بجمعها، وذهب بها إلى الست وأخبرها بما حدث فسامحته.
أما أغنية المسيح غناها العندليب الراحل عبد الحليم حافظ في قاعة ألبرت هول في مدينة لندن امام أكثر من 8 آلاف متفرج بعد حرب 1967 وتبرع باجره لصالح المجهود الحربي كتب كلماتها الشاعر الكبير عبد الرحمن الأبنودي ولحنها بليغ حمدي ووزع موسيقاها علي إسماعيل ؛ومن أجلها ذهب حليم للأزهر الشريف لإجازتها فطلبوا تعديل بعض الكلمات واستطعت إقناعهم بالبعض، أما جملة «صلبوه نفس اليهود» فأصروا علي تعديلها فبدلتها بخانوه نفس اليهود، وبالفعل أجيزت الأغنية ولكن بشرط ألا تغني إلا في الحفل الذي سيقام في لندن وغناها حليم علي مسرح «آلبرت هول» بلندن وطلبوا العرب من المستمعين إعادتها ثلاث مرات، وبالفعل نفذ حليم طلبهم وأعاد غناءها رغم صعوبتها، وقد تعرض حليم لمحاولة اغتيال من يهودي بسبب هذه الأغنية…. ياكلمتي لفي ولفي الدنيا طولها وعرضها
وفتحي عيون البشر للي حصل علي ارضها
علي ارضها طبع المسيح قدمه
علي ارضها نزف المسيح ألمه
في القدس في طريق الآلام..وفي الخليل رنت تراتيل الكنايس
في الخلا صبح الوجود إنجيل
تفضل تضيع فيك الحقوق لامتي ياطريق الآلام
وينطفي النور في الضمير وتنطفي نجوم السلام
ولامتي فيك يمشي جريح..ولامتي فيك يفضل يصيح
مسيح ورا مسيح ورا مسيح علي أرضها
تاج الشوك فوق جبينه وفوق كتفه الصليب
دلوقت ياقدس ابنك زي المسيح غريب غريب
تاج الشوك فوق جبينه وفوق كتفه الصليب
خانوه… خانوه نفس اليهود
ابنك ياقدس زي المسيح لازم يعود..علي أرضه
والطريف أن العندليب وبليغ كليهما كان يتدخل فى حياة الاخر الى حد أن حليم ذهب مع بليغ حمدي إلى أحد الحاخامات في باريس.. وهو رجل متخصص في السحر وطرد الأذى والشر والشياطين. وأعطاه حجابا. وفي التليفون طلب من شقيقته السيدة علية احراق المخدات والمراتب.. وشراء بدلا منها.. فقد قال لهأحد السحرة هناك إن الشر كله يكمن تحت المخدة وتحت المرتبة..