“بحر من الغاز”.. هكذا وصفت شركة إيني الإيطالية اكتشافها الجديد في مياه البحر المتوسط في مصر، في منطقة امتياز شروق. وبينما يتحدث خبراء الطاقة عن تريليونات الأقدام المكعبة من الغاز الطبيعي المتوقع استخراجها من الاكتشاف الجديد، يتساءل المواطنون ما الذي يعنيه ذلك للمستقبل الاقتصادي لمصر ومدى تأثيره على حياتهم الشخصية؟.
– لماذا يمثل اكتشاف شركة إيني للغاز تطورا مهما في مجال الطاقة بمصر؟
بحسب تقرير لموقع “أصوات مصرية”، تتوقع الشركة أن يحتوي الاكتشاف الجديد على 30 تريليون قدم مكعب من الغاز، ما يمثل 5.5 مليار برميل من البترول المكافيء، وفقا للبيانات التي أعلنتها إيني، الأحد، وهو اكتشاف كبير بالنسبة للشركة إذ تقول إن إجمالي اكتشافاتها في العالم خلال السنوات السبع الماضية بلغ 10 مليارات برميل.
وبالنسبة لمصر تمثل تلك الاحتياطات المتوقعة من الغاز حوالي 20% من إجمالي احتياطات الغاز الموجودة بمصر، والتي تقدرها قاعدة بيانات البترول لشركة بريتش بتروليم بنحو 65 تريليون قدم مكعب، وسيزيد الكشف الجديد احتياطات الغاز المصرية بنسبة 46%.
– كيف يؤثر الاكتشاف الجديد على توفير الطاقة لمصر؟
يقول باسكال دوفا، المحلل ببنك بي إن بي باريبا، لموقع أصوات مصرية، “قد يساهم (اكتشاف ايني) في مساعدة مصر على الاكتفاء الذاتي من الغاز وتحويل ميزان الطاقة إلى الفائض مع تزايد قدرتها على التصدير”.
وبحسب دراسة لبنك بي إن بي باريبا، صدرت هذا العام، فإن ميزان الطاقة الخارجي لمصر تحول من الفائض بـ 5.1 مليار دولار في 2009-2010 إلى العجز في 2011-2012 بـ 800 مليون دولار، واستمر العجز في الاتساع ليصل إلى 1.7 مليار دولار في النصف الأول من 2014-2015.
وتبعاً لبيانات وزارة البترول، فإن متوسط الإنتاج اليومي الحالي لمصر من الغاز يبلغ 4.4 مليار قدم مكعب. ويقول محمد أبوباشا، محلل الاقتصاد الكلي بالمجموعة المالية هيرميس، إن متوسط استهلاكنا اليومي الحالي من الغاز يبلغ 4.8 مليار قدم مكعب وسيرتفع بنهاية العام الجاري إلى 5.5 مليار قدم مكعب.
ولم تحدد إيني حتى الآن جدولا زمنيا لبدء الإنتاج في حقل شروق، ولكن صحيفة الفاينانشيال تايمز تقول إن قرارا نهائيا في هذا الشأن قد يتخذ خلال هذا العام ببدء أعمال الحفر في 2016.
ويؤكد أبو باشا أن من أهم انعكاسات الكشف الأخير لإيني أنه قد يقلص من الفترة التي كان من المتوقع أن تعتمد فيها مصر جزئيا على استيراد الغاز لسد الاحتياجات المحلية، قائلا “كان من المخطط أن نتوقف عن الاستيراد في 2020، ولكن الاكتشاف الجديد قد يساعدنا على تحقيق هذا الهدف قبل ذلك”.
ونقلت صحيفة الفاينانشيال تايمز عن كلاوديو ديسكالزي، الرئيس التنفيذي لإيني، قوله إن “مصر تستطيع الاعتماد على هذا الاكتشاف خلال العقد القادم، لقد وجدوا موردا مهما للمستقبل”.
– من المستفيد الرئيسي من توافر الغاز في مصر؟
كل من يعتمد على الكهرباء سواء المنازل أو القطاع التجاري أو الصناعي، حيث تقول دراسة لبنك بي إن بي باريبا، صدرت هذا العام، إن محطات الكهرباء التي تعمل بالغاز تنتج 70% من الطاقة الكهربائية في البلاد.
وبسبب عدم توافر الغاز بما يوازي استهلاك مصر من الكهرباء، حدثت أزمات انقطاع في التيار الكهربائي أكثر من مرة. وتشير الدراسة إلى أن إنتاج مصر من الغاز تراجع في 2014 بنسبة 13%.
كما تسبب نقص الغاز في تراجع مصر عن تصديره للخارج بهدف تدبير احتياجات السوق المحلي، حيث توضح دراسة البنك أن الحكومة المصرية قالت إن الصادرات من الغاز سيتم إيقافها تماما في 2015، وساهم ذلك في الإضرار بنشاط وحدات إسالة الغاز التي يقوم نشاطها على تحويل الغاز إلى سوائل لإتاحة تصديره للخارج.
وقال أبو باشا إن “مصر تستطيع أن تستفيد بشكل كبير (من الاكتشاف الجديد في مجال) محطات إسالة الغاز، كما قد يساهم الكشف في توسع صناعات جديدة مثل البتروكيماويات، خاصة وأن هناك منطقة صناعية جديدة للبتروكيماويات سيتم إنشاؤها في إقليم قناة السويس”.
– هل هذا يعني أن الحكومة ستعدل عن خطتها لتحرير أسعار الطاقة؟
يرى أبو باشا أن مصر لا تزال تحتاج للاستمرار في مخططات تحرير أسعار الطاقة لما يساهم به دعم الطاقة من زيادة في عجز الموازنة، كما يرى ضرورة الاستمرار في تنويع مصادر الطاقة، بالاعتماد على الطاقة المتجددة والفحم لضمان استدامة مصادر الطاقة.
ويقول أبو باشا “في ضوء معايير الإنتاج واحتياطات الغاز الحالية فإن الكشف الجديد سيجعل وضع الطاقة في مصر مشابها لعام 2003، ولكننا في حاجة إلى استراتيجية مختلفة حتى لا نكرر الأخطاء الماضية التي لم تضمن لنا استدامة موارد الغاز”.
– لماذا هبطت أسهم الطاقة في إسرائيل بعد الإعلان عن كشف إيني؟
كانت إسرائيل تتطلع إلى الاستفادة من أزمة الغاز المصرية وحاجتها للاستيراد لتصدير فوائض الغاز إليها خاصة مع القرب الجغرافي بين البلدين.
وتقول صحيفة وول ستريت جورنال إن الحقل الإسرائيلي “ليفايثن” كان يعد أكبر اكتشاف في البحر المتوسط قبل أن يظهر الاكتشاف المصري.
وأدت الاحتياطات الجديدة المتوقعة في مصر إلى تثبيط التقديرات بشأن احتياج البلاد لاستيراد الغاز من إسرائيل.
وبحسب صحيفة جورساليم بوست، فإن البيروقراطية والإجراءات التنظيمية ساهمت في تعطيل عمليات التطوير بحقل ليفايثن.
ونقلت الصحيفة عن وزير البنية الأساسية والطاقة الإسرائيلي، قوله إن “اكتشاف حقل ضخم من الغاز في مصر يذكرنا بشكل مؤلم أنه بينما تتوقف دولة إسرائيل مكانها وتستغرق وقتا من أجل اعتماد مخطط الغاز وتؤخر الاستخراجات جديدة فإن العالم يتغير”.