إرهاب لندن و «مشاريع القتلة»
قد لا تكون هناك حاجة الى «داتا» الاتصالات لمعرفة ما هو معروف في ملابسات هجوم وستمنستر الأسبوع الماضي، ذلك أن رسم مخطط بياني لسيرة حياة منفذه يفيد بأنه انطلق من شعور بالنقص تطور الى إحساس بالاضطهاد تحول عقدة نفسية تفاقمت مع مرور الوقت وجعلت منه مجرماً يشكل خطراً على محيطه.
إلا أن الأجهزة البريطانية محقة في مكان ما، في الشكوى من عدم تمكينها من فك شيفرة اتصال عبر تطبيق «واتس آب»، لمعرفة مع من تواصل خالد مسعود قبل دقيقتين من إقدامه على دهس ضحاياه على جسر وستمنستر قبل وصوله الى مقر مجلس العموم حيث قتل شرطياً.
وفي أسوأ الأحوال وما لم يكن قد حاول الاتصال بابنته التي أقنعها باعتناق «إسلام متشدد» بعد تعرضها لحادث سير أقعدها مدى الحياة، فإن مسعود ربما اتصل بمختل مثله لديه ماضٍ إجرامي ويعيش بدوره التناقض التقليدي بين «احتقار» المجتمع والاستفادة من الحريات التي يوفرها، إضافة الى العيش على حساب مصلحة الشؤون الاجتماعية ومقابلة الإحسان بمزيد من النقمة على المجتمع، أي على رأي المثل: «يأكل الغلّة ويسبّ المُلّة».
مسعود الذي ولد «أدريان» لأم انكليزية بيضاء عاش في كنف زوجها، لم يعرف قط من هو والده، بل عرف أنه مختلف عن الآخرين من أترابه في المدرسة حيث كان «الطالب الأسود الوحيد». صحيح أن هذا ليس سبباً مناسباً لتفسير سلوكه العنيف، لكنه استعمله هو بنفسه مبرراً عندما أقدم على غرز سكين في وجه شخص تعارك معه، ويتركه غارقاً في بحر من الدماء بين الحياة والموت، ويقول للقاضي لاحقاً أن ضحيته تعامل معه بـ «عنصرية»!
والأدهى أن القاضي الذي حكم عليه، اقتنع بذلك وأرسله الى السجن في حكم مخفف لفترة لا تتجاوز السنتين، ليعود مشروع القاتل هذا الى الشوارع مجدداً وقد اعتنق الاسلام خلف القضبان!
وتحت شعار احترام التعددية الثقافية والدينية، لم ينتبه أحد الى قضية الفشل في الاندماج، سواء بالنسبة الى مسعود البريطاني المولد أو آخرين أتوا من وراء البحار طلباً لحياة كريمة لم تؤمنها لهم مجتمعاتهم.
ولا شك في أن الغالبية الساحقة من المهاجرين الى بريطانيا والغرب عموماً، نجحوا في الاندماج بالمجتمع في إطار احترامه التعددية واحترامهم قيمه، وأن القلة القليلة من الذين فشلوا في ذلك، يتقبلون الأمر ولو على مضض، والبعض الآخر يتململ ويتذرع بالاختلاف ويستحضر الجوانب المظلمة من التاريخ ليبرر حقده على نفسه اولاً قبل الآخرين.
والقضية لم تكن يوماً تتعلق بالمعتقدات بل بالأخلاق والسلوك والمعاملة وذلك جوهر الدين. وعندما يحتاج الواحد منا الى إعادة التذكير بهذا الأمر، فهذا معناه أن ثمة مشكلاً يتعلق بالمفاهيم. غير أن ذلك كله لا ينطبق على الإرهابي البريطاني البالغ من العمر 52 سنة، والذي تميز عن سائر المجانين الذين فجروا أحقادهم بمجتمعات الغرب، بانه آتٍ من خلفية انتماء الى الطبقة المتوسطة وأن عقدته النفسية لم تترك له مجالاً للاستفادة من فرص كثيرة توافرت له لعيش حياة مقبولة يحسده عليها كثيرون.
في المقابل ثمة تقصير كبير في تعامل المجتمع ككل مع ظواهر نافرة تشكل مشاريع قتلة اولاً قبل أن يكونوا إرهابيين، اذ يكفي أجهزة الأمن أن تستدل على من يزود شباب الأحياء الفقيرة مخدرات وحبوب هلوسة وسكاكين، ليتضح لها أن لا فرق كبيراً بين وسائل تسميم العقول، اذ تتعدد الأسباب والموت واحد.