نون والقلم

هل ستكون قمة المصالحات العربية..؟

كل ما نتمناه من قمة « البحر الميت » ان تطمئننا على سلامة ذاتنا العربية , وان تعيد لعواصمنا العربية التي فقدت ثقتها بنفسها وبمن حولها توازنها وقدرتها على تصحيح الاخطاء والخروج من المأزق الذي غرقت فيها على امتداد السنوات الماضية .

ادرك تماما ان حبل الاماني طويل , وان المواطن العربي الذي حاول ان يمسك به مع كل « قمة » تعقد اصيب بالخيبة ، حتى ان هذا الحبل انقطع , لكن ارجو الا نفقد الامل تماما , فأقل ما يمكن ان تفعله هذه القمة هو ان تحقق فضيلة « الالتقاء » لاكبر عدد من الزعماء والقادة العرب وان تبعث برسالة لمن يهمه الامر بان العرب , مازالوا موجودين , ليس سياسيا فقط , وانما باجسادهم وارواحهم , خاصة بعد هذا الطوفان الذي تعرضت له منطقتنا العربية , والدماء والالام والصراعات التي لم تتوقف ولم تهدأ بعد .

حين ندقق في مشهد المنطقة , نجد ان المشروع العربي ما زال غائبا ,كما ان العرب غائبون عن « الطاولة »، واحيانا ليسوا اكثر من رجل مريض تحاصره « الاجندات » والمطامع الدولية والاقليمية التي تتربص به وتبحث عن مصالحها على حسابه , نجد ايضا ان صوت الحكمة الذي كان موجودا على مدى تاريخنا المعاصر  اختفى لمصلحة خطاب مجنون ومأزوم ايضا , وكأن الجسد العربي يتحرك بلا رأس , ويتخبط بلا دليل , نجد ثالثا ان القضايا التي كانت تشكل « مشتركات » عربية , كقضية فلسطين , تراجعت لحساب قضايا داخلية تهم كل قطر , وكأن العنوان الذي تبقى هو « انا ومن بعدي الطوفان» , نجد رابعا ان الارهاب اصبح الشغل الشاغل لمعظم الدول العربية , وان اولوية مواجهته اصبحت مقدمة على ما سوى ذلك , نجد خامسا ان « اسرائيل » التي كانت هي العدو بلا منافس احتلت المرتبة الثانية  -او ربما لم تعد كذلك – بعد ان تقدم الخطر الايراني – وقبله خطر «الذات » التي اكلت نفسها بنفسها .

سؤال ماذا يمكن للقمة ان تنجزه وسط هذه « المناخات » الملبدة  بالتحولات والصراعات والانقسامات يبدو مشروعا , لكن الاجابة عليه تحتاج الى تسجيل ملاحظتين : الاولى هي ان يدرك القادة العرب ان مصير بلدانهم اصبح في خطر , وان الاعتماد على شعوبهم  , لا غيرها , هو الطريق الاقصر والاوحد للحفاظ عليها وضمان استقرارها , اما الملاحظة الثانية فهي ان اطلاق حركة السياسة من خلال تدشين اصلاحات حقيقية تجسر الفجوة بين الانظمة وشعوبها , وتعيد الثقة بينهما هو العنوان الاساسي لاستعادة العافية وتحقيق الحد الادنى من الاحترام ناهيك عن انه الخطوة الاولى للخروج من المازق الذي وجدنا انفسنا فيه .

فيما يتعلق « بالانجاز » الذي يمكن للقمة ان تحققه يمكن الاشارة الى عدة ملفات , الاول ترميم العلاقات العربية البينية وتأجيل او جدولة  الخلافات بين بعض العواصم التي ارهقتها صراعات « الاجندات » كمقدمة لاجراء مصالحات تاريخية بين كافة الدول العربية ، الثاني اعادة الاعتبار للقضية الفلسطينية كقضية عربية مركزية , لاسيما في هذه المرحلة التي تزدحم فيها « اسواق » العروض والمزايدات , وتتربع فيها اسرائيل كمنتصر يريد ان يفرض شروطه , وتحاول فيها واشنطن ان تدفع العرب للقبول بتسوية اقليمية ظالمة , ويجد الفلسطينيون انفسهم عاجزين عن فعل اي شيء , الثالث ملف الحروب العربية في سوريا والعراق واليمن وليبيا , وهي تحتاج الى مواقف ومراجعات عربية واضحة وحازمة , بموجبها لابد ان يصار الى طرح مشروع عربي « للسلام » داخل اطار الملة الواحدة , وفتح حوارات مع الدول الكبرى في الاقليم ( تركيا وايران ) ومع الدول الكبرى , ليكون الحل العربي هو المفتاح للدخول في تسويات نهائية لكافة الصراعات في المنطقة .

تبقى ملفات اخرى مهمة , منها ملف « اللاجئين » السوريين الذي مازالت الاردن تتحمل العبء الاكبر منه , حيث لابد ان يتشارك الاشقاء العرب فيه , و ملف الاقتصاد والتبادل التجاري بين الدول العربية الذي ما زال في اخفض مستوياته , و ملف الحريات العامة والمعتلقين في البلدان العربية على قضايا سياسية ، وملف التعاون الامني لمواجهة الارهاب هذا الذي يستحوذ دائما على اهتمام القمم بمعزل عن المجالات الاخرى الذي تتعلق بجذور التطرف واسبابه التي ساهمت في انتاج الارهابيين .

باختصار , قمة البحر الميت يجب ان تترك بصمة – اي بصمة ايجابية – في مسيرة القمم العربية الطويلة , واذا تعذر ذلك فأقل ما يمكن ان تنجزه هو ان تطمئن الشعوب العربية بان امتهم مازالت حية وعصية على « الانقراض » وان بمقدورها ان تلتقط انفاسها وتصحو من جديد .

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى