أظن أن الأيام الأولى لحكم ترامب، كانت كاشفة بالقدر الذي يسمح بمزيد من الرؤية المدققة لحجم المساندة أو المعارضة لسياسات الرئيس الجديد، الذي آثر في أول أيام حكمه، وبصورة جد مباشرة، أن يضع في دائرة الضوء، النقطتين الأخطر في برنامجه الانتخابي، الهجرة إلى الولايات المتحدة، التي أصدر بشأنها قراراته التنفيذية بمنع دخول مواطني عدة دول إسلامية إلى أميركا، إضافة إلى أمره التنفيذي الآخر بالبدء في إقامة سور ضخم حول حدود المكسيك، تصل كلفته إلى حدود 20 مليار دولار.
أما النقطة الثانية، فتتعلق بمشروع نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس، بما كشف حجم المعارضة الواسعة داخل الولايات المتحدة وخارجها، لمجمل أفكار الرئيس الجديد، الذي أوضح للجميع، بما لا يدع مجالاً لأي شك، أن الرئيس الجديد للولايات المتحدة، لن يختلف عن ترامب المرشح الجمهوري في حملته الانتخابية بعناوينها، كما يؤكد كل يوم، وعلى نحو قاطع، حرصه الشديد على تأكيد مصداقيته وسط جمهوره الانتخابي، الذي يتشكل أساساً من الأميركيين البيض، أصحاب الياقات الزرقاء، العاملين في المدن الصناعية، الذين يشعرون بتهميش مصالحهم بسبب أفواج الهجرة التي تتدفق على الولايات المتحدة، بصرف النظر عن انعكاسات هذه الآراء على فئات واسعة أخرى من المجتمع الأميركي، في مقدمهم النساء اللائي خرجن في مظاهرة مليونية تعارض حكم ترامب، ثاني أيام تتويجه، إضافة إلى نخب الحكم والمثقفين والأحزاب ورجال الأعمال وحملة الشهادات العليا من المتخصصين.
في ضوء ذلك، ترى ما الذي يمكن أن تسفر عنه خارطة طريق مصرية لزيارة الرئيس السيسي المقبلة إلى واشنطن، والتي تحدد لها الأيام الأولى من شهر أبريل المقبل، تستهدف التأكيد على نقاط الاتفاق المحتملة، مع التحديد الواضح والأمين لمخاطر يصعب تجاهلها، آخذاً في الاعتبار، أن الأمر لا يعدو أن يكون مجرد اجتهادات ورؤى شخصية، يمكن أن تصيب في نقاط بعينها، ويمكن أن تخيب في نقاط أخرى، لكن هدفها الأول والأخير، أن يكون القارئ أكثر إلماماً بأبعاد القضية؟، لعل خارطة الطريق المقترحة، تستطيع أن تكشف عن عناصر الاتفاق التي تخلص في:
أولاً: نعم لتحالف وثيق مع إدارة ترامب حرباً على الإرهاب واجتثاثاً لجذوره، يستنهض همة المجتمع الدولي، بعد أن بات مؤكداً أن دولة واحدة، مهما كبر حجمها، لن تستطيع هزيمة الإرهاب، ولا خوف أو غضاضة في أن تشارك قوات برية مصرية في هذا التحالف، آخذاً في الاعتبار، حاجة هذه القوات إلى دعم مادي ومعنوي قوي، شريطة أن يكون مسرح عملياتها (فقط ليبيا)، حفاظاً على أمنها وأمن مصر وأمن دول الجوار الجغرافي، في إطار توافق دولي، يحترم استقلال ليبيا، ويوقف أي تدخلات خارجية في الشأن الليبي، ويخضع هذه الحرب لمعايير القانون الدولي، ورقابة مجلس الأمن.
ثانياً: نعم لوجود محددات للهجرة إلى الولايات المتحدة، حماية لمصالح العمال الوطنيين، ودرءاً لمخاطر الإرهاب، شريطة إسقاط كل صور التمييز الديني، التي تمنع الهجرة من بلاد بعينها، لمجرد أنها مسلمة.
ثالثاً: نعم لمعالجة سياسية شفافة لتدخل إيران في الشأن العربي، حرصاً على علاقات طيبة، بدلاً من التوتر الراهن الذي ينذر بأوخم العواقب، وفي جميع الأحوال، يصبح الحوار مع طهران، ضرورة استراتيجية، يتحتم استكشاف فرص نجاحها، في إطار التزام الجميع بمنع التدخل في الشأن الداخلي لأي دولة.
رابعاً: نعم ونعم لأي تقارب روسي أميركي، يجعل العالم أكثر أمناً واستقراراً، ويساعد على إنهاء الحرب الأهلية السورية، ويلزم الدول الكبرى خفض ترسانة أسلحتها النووية، ويجعل منطقة الشرق الأوسط خالية من كل أسلحة الدمار الشامل.
تلك هي نقاط الاتفاق التي يمكن أن تشكل قاعدة قوية لعلاقات تعاون وثيق بين مصر والولايات المتحدة، في عهد الإدارة الأميركية الجديدة، تخدم مصالح الدولتين، وتخدم الأمن والسلم الدوليين.وربما يخلص احتراز مصر على سياسات الرئيس الأميركي، من وجهة نظر مراقب خارجي، في قضيتين أساسيتين، يستطيع الحوار الواضح الشفاف أن يجلي غموضهما، بما يساعد على المزيد من الفهم والتفهم المتبادل، بحثاً عن حلول تقبلها كل الأطراف.
أول القضيتين، الخلط بين الإسلام كدين يعتنقه مليارا مسلم، يدعو إلى السلم والسلام، ويحض على تعاون الأمم والشعوب، ويرفض كل صور البغي والعدوان، ويضع للحرب قواعد محددة، دفاعاً عن العرض والمال، ودرءاً لجرائم المفسدين في الأرض.
وثانيهما، قضية نقل السفارة الأميركية إلى القدس بدلاً من تل أبيب، والسكوت عن مخاطر انتشار الاستيطان على فرص سلام الشرق الأوسط، الذي يتهدده احتلال 600 ألف إسرائيلي لـ 60 % من أرض الضفة، واستباحتهم لمدينة القدس الشرقية، على النحو الذي فصلها تماماً عن الضفة بكتل استيطانية ضخمة، بما يقطع الطريق على حل الدولتين، ويضرب مصداقية الولايات المتحدة كوسيط في عملية السلام.