منذ انتخاب دونالد ترامب رئيساً، يتردد سؤال أساسي عما إذا كان العالم مستعداً للسير على إيقاعه ناهيك عن نهجه، وبالتالي إذا كانت الإدارة الأميركية ستتفرد في التغريد خارج السرب، بسياسات تختلف عن أجندات دول الغرب وسائر القوى الصناعية، ما يعني حتماً، تقوقع أميركا وعزلتها.
ليس كافياً أن تكون دولة، قوية، بل يتعين أن تكون فاعلة بما تملكه من شبكة علاقات وما تنسجه من مصالح مشتركة مع دول أخرى. وحتى الآن، لا تبدو إدارة ترامب قادرة على الأداء في مستوى الشركاء وتطلعاتهم.
حظي الرئيس الأميركي بفرصة استقبال المستشارة أنغيلا مركل في البيت الأبيض، وكانت الحصيلة تخبطه في تغريدات متناقضة، قال في إحداها إن اللقاء مع ضيفته الألمانية كان «عظيماً»، في مقابل تغريدة أخرى اتهم فيها ألمانيا بأنها «مدينة بمبالغ طائلة للحلف الأطلسي وأميركا».
مركل التي بدت «سيدة دولة» من الطراز الأول من خلال سلوكها وحركتها المدروسة أمام الكاميرات أثناء لقائها الرئيس الأميركي يوم الجمعة، لم تردّ بطبيعة الحال على كلام ترامب، بل تركت ذلك لوزيرة الدفاع في حكومتها أورسولا فون دير ليين التي قالت في نهاية الأسبوع الماضي: «لا يوجد حساب ديون في حلف شمال الأطلسي»، مشيرة إلى «خطأ الربط بين الهدف الذي وضعه الحلف لدفع الدول الأعضاء إلى تخصيص نسبة اثنين في المئة من ناتجها القومي لاغراض الدفاع، وبين إنفاق هذه النسبة على الحلف حصراً».
وبعيداً من البروتوكولات التي أصبح واضحاً أن ترامب ليس في صدد إتقانها قريباً، فإن صلب الموضوع في مكان آخر، حيث تسعى القوى الكبرى إلى البحث عن مصالحها في تكامل اقتصادي هنا وتعاون تجاري هناك، في مقابل نزعة الإدارة الأميركية المتزايدة إلى الحمائية والعزلة.
من هنا فإن أفضل رد لمركل على ترامب كان في تجاهله، وتشديدها بعد عودتها إلى بلادها، على التجارة الحرة والأسواق المفتوحة، مضيفة خلال حضورها معرضاً للتكنولوجيا في هانوفر نهاية الأسبوع الماضي: «لا نريد بالتأكيد أي حواجز، بل نريد أن نربط بين مجتمعاتنا وأن نتركها تتعامل بإنصاف مع بعضها بعضاً، وهذا كل ما تعنيه التجارة الحرة».
ولم تتوانَ المستشارة الألمانية عن الإشارة إلى اليابان شريكاً محتملاً في هذا المجال، بقولها إن «من الجيد للغاية أن تقول اليابان أننا نريد اتفاقاً للتجارة الحرة ونريده سريعاً لأن ذلك قد يمثل المعادلة الصحيحة، وتود ألمانيا أن تكون قوة دافعة وراء تلك العملية».
ومن الملفت أن الاستعداد الذي أبدته اليابان أتى على لسان رئيس وزرائها شينزو آبي الذي حضر معرض فرانكفورت ورأى إن على الاتحاد الأوروبي واليابان التوصل سريعاً إلى اتفاق اقتصادي. ويكتسب كلام مركل وآبي طابعاً عملياً يمكن ترجمته على الارض، بخلاف عبارات منمقة تكاد لا تعني شيئاً، تبادلها ترامب وآبي الذي سبق مركل إلى واشنطن الشهر الماضي، في زيارة طبعتها حفاوة كبيرة، لكنها لم تسفر عن نتائج محددة.
ويعرف آبي الذي من المقرر أن يزور موسكو أواخر الشهر المقبل، كيف يستثمر العلاقات التجارية لمصالح سياسية، في حين أنه تقع على عاتق مركل مهمة بالغة الأهمية في شكل متزايد وهي قيادة الاتحاد الأوروبي في غياب بريطانيا وفرنسا «لأسباب داخلية تتعلق بالبلدين». أما ترامب فيبدو في وسط هذا كله وكأنه بالكاد قادر على إدارة شؤون البيت الأبيض بعقلية تاجر عقارات وسمسار صفقات، لا كزعيم لأقوى دولة في «العالم الحر».