نون والقلم

تركيا وأوروبا.. التصعيد المتبادل

انفجر الخلاف بين تركيا وأوروبا. نقول أوروبا لأن بداية التوتر التي كانت مع ألمانيا ووصلت ذروتها مع هولندا امتدت وتمددت لتطال كل الدول الأوروبية من النمسا إلى إيطاليا والدنمرك وفرنسا وغيرها. موجة التضامن مع هولندا تحديداً كانت غير مسبوقة، وهي تعكس لا شك عمق الخلاف بين تركيا والعالم الأوروبي.

التوتر بين تركيا وهولندا مرتبط بمستويين: الأول الظروف الانتخابية في كل بلد، والثاني الثابت في العلاقات بين تركيا والغرب والمرتبط باختلاف المنظومة الحضارية والحقوقية لكل طرف، وهذا يذكر بصدام الحضارات الذي قامت القيامة على واضعه صاموئيل هانتنغتون، فيما تعكس هذه النظرة واقعاً يفترض أن يعترف به الجميع وألّا يتهربوا من مواجهته لحل مشكلاته.

في هولندا جرت انتخابات أرادها رئيس الحكومة والحزب الليبرالي مارك روتي أن تقطع الطريق على الحزب اليميني المتطرف بزعامة غيرت ويلدرز، حيث كانت الأرقام تشير إلى تقارب النتائج. من هنا مزايدة روتي على ويلدرز بتصعيد الخطاب القومي.

لكن المشكلة في الجانب التركي أكبر بكثير، وبالتالي المسؤولة عن التوتر.

وكما في هولندا كذلك في تركيا فإن الهاجس هو انتخابي. ذلك أن استفتاء على تعديلات دستورية سيجري في 16 إبريل / نيسان المقبل. والاستفتاء مصيري بالنسبة لرئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان الذي تمنحه التعديلات صلاحيات مطلقة تفوق صلاحيات أي رئيس أو ملك آخر في العالم.

استطلاعات رأي داخل تركيا تشير إلى أن نسبة المؤيدين والمعارضين للتعديلات متقاربة وهو ما يدفع بأردوغان ووزرائه إلى تحشيد أكبر الجهود في كل مكان لتقوية جناح الـ «نعم» في الاستفتاء. والجالية التركية في أوروبا كبيرة تقارب الأربعة ملايين موزعة بين ألمانيا وهولندا وفرنسا والدول الاسكندنافية والنمسا وغيرها.

لكن المهرجانات التركية في أوروبا جاءت في مرحلة تكثر فيها الانتخابات من هولندا إلى فرنسا وألمانيا وغيرها ووسط تصاعد موجة الإسلاموفوبيا التي عززها وصول دونالد ترامب إلى الرئاسة الأمريكية. وهذا برأي الأوروبيين يعزز مناخ التوتر والحساسيات، ولذا طلب الأوروبيون من أنقرة عدم إقامة هذه المهرجانات تحاشياً لاحتكاكات وفوضى.

لكن أنقرة رفضت، إذ وجدت في ظهور هذا التوتر فرصة للاستفادة والاستغلال لرفع حدة الخطاب الاستقطابي في الداخل التركي، وإظهار حكومة حزب العدالة والتنمية بأنها مظلومة، وبأن أردوغان مستهدف فيزيد التأييد القومي للاستفتاء.

ويرى مراقبون أتراك أنه حتى لو لم يكن من توتر مع أوروبا فإن أردوغان يبحث دائماً عشية كل انتخابات عن توترات لتعزيز الدعم الشعبي له، ومن ذلك احتمال أن يقوم بمغامرة عسكرية ضد حزب العمال الكردستاني في جبال قنديل أو في سوريا في مدينة منبج أو في مكان آخر.

الخطاب القومي المتشدد في تركيا عرف ذروات غير مسبوقة. أردوغان وصف أوروبا بأنها نازية وفاشية في ملامسة للمحرمات التي ناضلت أوروبا ضدها. أما الإعلام التركي المؤيد لأردوغان فلم يترك شتيمة إلا ووجهها إلى هولندا وألمانيا ومنها عبارات مثل «الكلاب» كانت تتصدر عناوين الصفحات على أكثر من يوم.

أما الأسباب التي تتجاوز الموسم الانتخابي فإنها تتصل بطبيعة الاختلاف الحضاري بين الطرفين، والذي تصاعد بعد وصول ترامب إلى البيت الأبيض وحيث تتقدم موجة اليمين المتطرف في أوروبا في فرنسا وألمانيا وهولندا والنمسا وفي كل الدول الأوروبية. والتوتر الأخير كان مناسبة لتظهير هذا الخلاف العميق، والذي يطال عملياً كل المجتمعات الإسلامية وخصوصاً التركية، حيث هناك جالية تركية كبيرة في أوروبا.

مع ذلك إذا كان متوقعاً استمرار هذا التوتر إلى انتهاء الاستفتاء في تركيا على الأقل، فإن المتوقع أن تعود العلاقات بين تركيا وهولندا مثلاً إلى طبيعتها بسبب الروابط الاقتصادية القوية لتركيا مع هولندا ولمصلحة تركيا، وليس من مصلحتها استمرار الخلاف. ولكن إلى حينها فإن التصعيد متواصل إلى أن يحقق أهدافه الانتخابية لدى الطرفين ولا سيما الطرف التركي.

 

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى