الزيارة الخاطفة التي قام بها بنيامين نتنياهو رئيس حكومة الكيان الصهيوني يوم الخميس قبل الماضي (9/3/2017) إلى موسكو ولقائه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، جاءت لتعبر عن حقيقتين راسختين فرضتا نفسيهما على الإدراك الاستراتيجي «الإسرائيلي»؛ أولهما، أن الأزمة السورية دخلت مرحلة «حصر الغنائم» بين الأطراف التي خرجت منتصرة في حرب السنوات الست التي عاشتها سوريا، وفي مقدمة هذه الأطراف إيران وحليفها «حزب الله»، وأن وقوف «إسرائيل» من دون تدخل حاسم، اليوم وليس الغد، لمنع تغول النفوذ الإيراني في سوريا ومحاصرته، ربما تجد «إسرائيل» نفسها أمام معادلة توازن جديدة للقوة ليست أبداً في مصلحتها. وثانيهما، أن روسيا وليست الولايات المتحدة، هي صاحبة القرار الأعلى في الشأن السوري، وهي من سيقوم بعملية تقسيم الغنائم. وفي الوقت نفسه فإن الولايات المتحدة لم تكتف بعجزها أمام روسيا في سوريا، بل هي غير عازمة على المواجهة مع إيران في سوريا أو خارجها.
إزاء هاتين الحقيقتين كان لابد من التوجه «الإسرائيلي» نحو روسيا، ولم يترك نتنياهو مجالاً للاجتهاد الواسع لاستشراف أهداف زيارته لموسكو، عندما أوضح خلال جلسة الحكومة قبيل سفره أنه «سيعبِّر عن معارضة «إسرائيل» الشديدة لإمكانية أن يتم ضمن إطار التسوية السورية التي أخذت تتبلور، أو من دونها، محاولة إيران التموضع بشكل دائم في سوريا، عبر حضور عسكري بري وبحري، ومحاولة متدرجة أيضاً لفتح جبهة أمامنا في مقابل الجولان»، وزاد نتنياهو على ذلك هدفاً آخر هو التوصل مع الروس إلى تفاهمات محددة من أجل تقليل أي احتكاك محتمل بين القوات «الإسرائيلية» والروسية في سوريا.
هذه الزيارة لرئيس حكومة الكيان إلى موسكو تختلف عما يقرب من أربع زيارات قام بها إلى العاصمة الروسية في العام الماضي. غالباً كان هدف تلك الزيارات هو التنسيق مع روسيا في سوريا، سواء بخصوص الحصول على ضوء أخضر روسي لضرب أهداف في سوريا تتعلق أساساً بعمليات نقل أسلحة متقدمة إلى «حزب الله»، من شأنها أن تكسر التوازن الذي يعمل لمصلحة «إسرائيل»، إضافة إلى التنسيق مع روسيا لمنع حدوث أي احتكاك غير مقصود بين الطيران «الإسرائيلي» والطيران الروسي في الأجواء السورية، وغالباً ما كانت تنتهي تلك الزيارات بقدر لا بأس به من التوافق مع القيادة الروسية حول هذين الهدفين، لكن الزيارة الأخيرة، تتعلق بخطوط حمراء «إسرائيلية» أراد نتنياهو أن يتوافق عليها مع القيادة الروسية تستهدف الدور الإيراني المستقبلي في سوريا، في ضوء ما يحدث حالياً من تطورات داخل سوريا، وبالذات ترتيب العلاقات المستقبلية بين طهران ودمشق.
هذه الترتيبات أحدثت ارتباكاً واستنفاراً «إسرائيلياً» غير مسبوق يعكس مدى القلق والخطر الذي يشعر به «الإسرائيليون»، على العكس من الموقف «الإسرائيلي» المتوازن أو المنضبط طوال السنوات الماضية من عمر الأزمة السورية، حيث كان «الإسرائيليون» يشعرون بالرضا والاطمئنان بأن كل ما يحدث في سوريا يحقق كل ما كانت تأمله «إسرائيل»، لكن مع دخول الأزمة مرحلة التسويات وتقسيم الغنائم بين المنتصرين (روسيا وإيران والنظام السوري وحزب الله)، فرض على الحكومة «الإسرائيلية» أن تتحرك وباندفاع، وربما بإدراك متسرع وغير مدروس بالنسبة لفرضية إمكانية تفكيك روسيا لعلاقتها التحالفية مع إيران.
هذا الافتراض انطلق من رهان يعكس رؤية خاطئة للعلاقات الروسية – الإيرانية عبر عنها الجنرال هرتس هاليفي رئيس الاستخبارات العسكرية أمام لجنة الشؤون الخارجية والأمن مضمونها أن «روسيا لا تعتبر حزب الله وإيران شركاء استراتيجيين، بل مجرد أداة لتحقيق أهدافها» هذه الرؤية تضمنت رهاناً بإمكانية توسيع هامش التعارض بين الطرفين.
رهان مأزوم فرضه تفاقم المخاوف من إمكانية نجاح إيران في تحقيق ما تهدف إليه، سواء بالنسبة لفتح جبهة معادية ضد «إسرائيل» من هضبة الجولان على حدود «إسرائيل» الشمالية، أو التمكن من شق طريق على البحر المتوسط والشواطئ اللبنانية والسورية على البحر المتوسط عبر الأراضي العراقية والسورية، أو إقامة قاعدة عسكرية بحرية في اللاذقية، حسب ما نشر موقع «والاه» الاستخباراتي «الإسرائيلي» الذي كشف أن الجانبين السوري والإيراني وصلا إلى مرحلة متقدمة من التفاهمات بخصوص هذه القاعدة.
مشكلة هذا الرهان «الإسرائيلي» أنه بعيد عن واقع معادلة توازن المصالح بين روسيا وإيران والنظام السوري من ناحية، وبين روسيا وأطراف أخرى فاعلة في الأزمة السورية وتسويتها، خاصة تركيا من ناحية أخرى. فرغم أهمية العامل الروسي والأساسي في الساحة السورية، إلا أنه ليس مطلق اليد، لأن هناك شركاء آخرين لهم مصالح تأخذها موسكو في الاعتبار. كما أن هذه المطالب «الإسرائيلية» من روسيا قد تدفع الرئيس الروسي للحديث عن الثمن «الإسرائيلي» وبالذات بالنسبة للملف الفلسطيني، ولعل هذا ما انعكس على تصريحات نتنياهو عقب عودته من موسكو التي كانت أبعد ما تكون عن التفاؤل الذي سافر من أجله والرهان الذي كان يعوِّل عليه، والخطوط الحمراء التي كان يأمل أن يعود بها لإرباك المخططات الإيرانية، الأمر الذي بات يفرض على «إسرائيل» أعباء جديدة في إدارة صراعها مع إيران خاصة في سوريا.