يتخطى السجال الخارج من عقاله بين الرئيس التركي وكل من هولندا وألمانيا وأطراف أوروبيين آخرين، مجرد سعي أردوغان إلى الفوز في الاستفتاء الذي ينظم بعد شهر على صلاحياته الرئاسية الموسّعة، إلى هدف أبعد يتعلق بمساعدة الأحزاب الأوروبية المتطرفة ذات الخطاب القومي العنصري على الوصول إلى السلطة، أو في الأقل التقدم نحوها، بما يعنيه ذلك من تشجيع لرغباتها المعلنة في الانفصال عن الاتحاد الأوروبي وتفكيكه، وهو هدف يتقاسمه مع فلاديمير بوتين، قائد الهجوم على القارة العجوز من جبهتها الشرقية.
فهو عندما يهاجم بنزق قـــرار هــولندا منع وزرائه من مخاطـــبة تجمعات للمقيمين الأتراك تهدف إلى دعمه، إنما يصب الزيت على النار التي أشعلها حـــزب «الحرية» بقيادة غيرت فيلدرز المعادي للأجانب عموماً، والمسلمين خصوصاً، ويضطر رئيس الـــــوزراء مارك روتي، من يمين الوسط، إلى تبــــني مواقف أقــــرب إلى المتشدــدين المؤيــــدين للانسحاب من الاتحاد الأوروبـــي. أما عندما يتهم ألمانيا بالعنصرية والنـــازية ودعم الإرهاب، فغرضه إحراج وإضـــعاف المستشارة مركل التي واجهت انـــتقادات اليمين، عندما فتحت أبواب بلادها أمام اللاجئين من الشرق الأوسط، ومن سورية على وجه الخصوص.
ومن الواضح أنه كلما تحسنت الروابط بين روسيا وتركيا، كلما ساءت علاقة أنقرة بالدول الأوروبية، بعدما كانت تطمح يوماً إلى أن تصبح شريكاً لها. وفي لقائهما الأخير بدا أن كلاً من أردوغان وبوتين يسعى من خلال تطوير علاقته بالآخر إلى تعويض التدهور الحاصل مع الأوروبيين، وكأن مشاركة الرئيس التركي في الحملة على أوروبا شرط لهذا التحسن مع موسكو وتثبيت له.
وفي مقال نشرته «فايننشال تايمز» أخيراً، توقع جايمس كيرتشيك، مؤلف كتاب «نهاية أوروبا: طغاة وشعبويون وعصر الظلمة القادم»، أن تستمر «المؤامرة على أوروبا» التي بدأت مع انتخاب دونالد ترامب، وأن يقدم بوتين على إطاحة النظام في إستونيا، مثلما فعل في أوكرانيا التي ضم جزءاً منها ويدعم انفصال جزء آخر.
وكان ترامب أيّد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، متعهداً تحويل هذا الخروج نموذجاً ناجحاً عبر اتفاقات اقتصادية ثنائية، لتقتدي به دول أخرى، ووجه إلى كل من ألمانيا وفرنسا اللتين تشكلان الأساس القوي للاتحاد، انتقادات على سياستهما تجاه اللاجئين والمسلمين.
وفي إطار هذه «الحرب» المتعددة على أوروبا، لوحت تركيا بأنها ستعيد النظر في اتفاق ضبط تدفق المهاجرين في اتجاه الشمال عبر أراضيها، بعدما اعتبرت أن الاتحاد أخلّ بتعهده إعفاء الأتراك من تأشيرات الدخول، وأن الاتفاق «مات» عملياً. لكن هذا الاتفاق لم يكن أصلاً في مستوى المعايير السياسية الأوروبية، وشكل حين إبرامه إخلالاً بمبدأ الدفاع عن الديموقراطية وحقوق الإنسان.
يجد أردوغان الكثير من القواسم المشتركة مع بوتين، ويطمح إلى أن يتمتع مثله بصلاحيات لا تحدّ ولا تخضع لأي مساءلة، بعدما تبع خطاه في قمع الصحافة وكمّ أفواه المعارضة وفض تظاهرات الاحتجاج بالقوة، متذرعاً إما بـ «الخطر الكردي»، أو «تغلغل الانقلابيين»، أو بانعكاسات الأزمة السورية، ومبدياً في الوقت ذاته مرونة في المساومة وسرعة في التراجع عن شعارات كان أطلقها في هذه الملفات، في كل مرة يشعر بأنها لم تعد تخدم أهداف إمساكه بالسلطة من دون منازع.