تخالهم ذاهبين جميعاً لمحاربة «داعش» والقضاء على أبي بكر البغدادي في عقر داره الأخير. أميركيون وروس. إيرانيون وأتراك. عرب وكرد. سنّة وشيعة. ما بقي من جيش بشار الأسد وما بقي من فصائل المعارضة. غير أنه، وفيما البغدادي يحفر الخنادق حول الرقة ويزرع الألغام في الطرق المؤدية إليها، لا يبدو على هؤلاء المتقاتلين في ما بينهم على محاربته سوى أن همّهم الأول، وربما الأوحد، هو القضاء على بعضهم بعضاً قبل أن يصلوا إلى آخر «عواصم الخلافة»، هذا إذا لم ينجب البغدادي عاصمة جديدة قبل هزيمته المفترضة في الموصل ثم في الرقة. هل تكون دير الزور مثلاً هي هذا الوليد الجديد؟
في الطريق إلى الرقّة ظهرت فجأة كل النزاعات الإقليمية وصراعات المصالح على الطبق السوري. العداء التركي – الكردي يطفو على السطح، وأصبح يفوق العداء الذي صمّ آذاننا منذ بدايات الحرب السورية بين رجب طيب أردوغان وبشار الأسد. «الجيش السوري الحر»، الذي كان يفترض أن يكون عماد القوات المعارضة «المعتدلة»، صار الآن في الحضن التركي، فيما فصائل معارضة أخرى تطلق على نفسها «قوات سورية الديموقراطية» صارت أقرب إلى النظام مما هي إلى المعارضة. هذه القوات هي التي تتمتع الآن بالرعاية الروسية وبالعطف الأميركي، وهي التي يتم تحضيرها لمعركة الرقة، فيما تم استبعاد أردوغان والمتحالفين معه بحجة أنهم «قوات محتلة»، والمحتل لا يستطيع أن يحرر أرضاً من الاحتلال!
بلغت المأساة السورية حداً أصبحنا معه بحاجة إلى خريطة جديدة كل يوم لتوزيع القوى على الأرض، بين من يقف مع بشار الأسد ومن يعارضه. تركيا وروسيا متفقتان على محاربة «داعش» ومختلفتان على من يرث «داعش». دونالد ترامب وخامنئي متفقان على محاربة «داعش» ومختلفان على أي شيء آخر. ترامب وبوتين متفقان على أن الأولوية في سورية هي للقضاء على «داعش» ومختلفان، حتى الآن، على مصير الأسد. بقاء الرئيس السوري في الحكم لم يشكل في أي يوم مشكلة بالنسبة إلى الرئيس الروسي. أما ترامب، الذي يكره التعقيد ويفضل البساطة، فقد أمر وزارة الدفاع أن تجعل القضاء على «داعش» أولوية في خططها السورية. وفيما بقي سلفه باراك أوباما متردداً في إرسال قوات أميركية إلى الأرض السورية، ها هي طلائع الجنود الأميركيين تتوافد إلى بلاد الشام، بالمئات حالياً، وربما غداً بالآلاف، وكل ذلك من أجل ضمان منع الاقتتال بين «الحلفاء» المعارضين، من عرب وكرد، الذين قاتلوا يوماً ما في خندق واحد. هذا أولاً. وثانياً من أجل أن تشكل القوات الأميركية ظهراً لحماية القوات التي ستدخل إلى الرقة، والتي لن يكون مستبعداً أن تكون خليطاً من معارضين «ديموقراطيين» ومن قوات لنظام بشار الأسد. وكل هذا الخليط من أجل استعادة هذه المدينة من البغدادي.
وسط هذا الخليط المعقد من المتسابقين على استعادة الرقة، كدنا ننسى بنيامين نتانياهو. إسرائيل ليست على الأرض السورية «باستثناء الجولان المحتل». هذا ما نسمعه على الأقل. لكن إسرائيل قلقة هي أيضاً مما سيحصل بعد «داعش» والبغدادي. لهذا ترك نتانياهو الفضائح خلفه، وذهب إلى موسكو للقاء بوتين والشكوى من حلول قاسم سليماني مكان أبو بكر البغدادي في سورية. لم يُعرف جواب بوتين على هذه الشكوى، في ظل علاقة التحالف الملتبسة بين موسكو وطهران في النزاع السوري.
رب سائل يقول: إذا كانت كل هذه الأطراف تتصارع على الأرض السورية، فأين هم السوريون؟ إنه السؤال الذي يختصر المأساة السورية. المأساة التي جاءت بالبغدادي إلى المسرح السوري هي التي جلبت اللاعبين الآخرين. هؤلاء اللاعبون من كل أصقاع الارض، يتناتشون الطبق السوري، فيما السوريون يجوبون حدود الدنيا بحثاً عن ملجأ ولقمة خبز.
أليس بقاء بشار الأسد في الحكم بهدف الدفاع عن سيادة سورية وحماية أرضها وشعبها؟