يومًا تاريخيًا سيغير مسار التنمية في مصر خلال السنوات القليلة المقبلة، كما سيشهد سيناريو وخريطة الطاقة في مصر والعالم، تحولًا محوريًا وجذريًا، بل ستشهد علاقات الدولة المصرية السياسية والإستراتيجية والاقتصادية ببعض الدول العربية والأجنبية، تطورًا ملحوظًا، وربما تتصدر مصر قائمة الدول الغنية في العالم.. هو الأمس الذي اعتبرته الدولة المصرية بمثابة عيدًا يحتفل به لأنه لا يتكرر كثيرًا، فقد أعلنت الحكومة المصرية، اكتشاف أكبر حقل غاز طبيعي في تاريخ البحر الأبيض المتوسط بمياه مصر الإقليمية العميقة، على يد شركة “إيني” الإيطالية.
“زهر” يلغي اتفاقيات مصر البترولية ..
بئر “زهر” الجديد يوجد بعمق 1400 متر في البحر الأبيض المتوسط، ضمن حقل “شروق” الغازي، والذي قدرت الشركة الإيطالية حجم احتياطي الغاز فيه بـ 850 مليار متر مكعب من الغاز، أو ما يُعادل بلغة أخرى، نحو 5.5 مليار برميل نفط مكافئ”.
وقال المهندس حمدي عبدالعزيز، المتحدث باسم وزارة البترول المصرية، إنه أكبر اكتشاف غاز تحقق في مصر حتى الآن، والاحتياطي الأول لهذا البئر يقدر بـ21 تريليون قدم مكعب، وأن حجم احتياطات الحقل يلبي احتياجات مصر لمدة 10 أعوام وفقًا لمعدل الاستهلاك الحالي، مؤكدًا أنه تم وقف أية اتفاقيات بترولية لمدة 3 أعوام مقبلة بعد هذا الاكتشاف.
لكن الاستفادة من البئر المكتشف لن تتم إلا بعد مدة تتراوح بين 30 إلى 36 شهر، حسب تصريحات مستشار وزير البترول، لبرنامج “صباحك مصري”، المذاع على فضائية “إم بي سي مصر2”.
اكتفاء ذاتي ..
الاكتشاف التاريخي أثار انتباه وسائل الإعلام العربية والغربية، فقال موقع 24 الإماراتي إن بئر زهر 1X، الذي تتولى الشركة الإيطالية تطويره، قفز من الظل إلى الشهرة العالمية، باعتباره أكبر كشف غازي في تاريخ البحر الأبيض المتوسط شرقًا وغربًا، بما أنه سيؤمن احتياجات مصر من الغاز كاملة على امتداد عقود قادمة.
وبادرت صحيفة ايل فاتو كوتيديانو، أو الحدث اليومي الاقتصادية الإيطالية، إلى نشر لقاء مع منسق الأبحاث في مركز الدراسات الدولية الإيطالي، غابريال لاكوفينو، عن دور “الاكتشاف الغازي الجديد في مصر والاكتشافات القادمة في المساهمة في تحقيق الاكتفاء الذاتي الإيطالي من الغاز، وكسر الارتهان الإيطالي الخطير من هذه المادة لروسيا”.
إيطاليا: سعداء بالاكتشاف الجديد
ونقلت الصحيفة عن الخبير الدولي أن إيطاليا وبعد هذا الكشف الضخم، ستكون في غاية السعادة “لظهور ليبيا جديدة على مسافة قريبة منها” مع ما يعني ذلك من انعكاسات اقتصادية ولكن أيضًا إستراتيجية وسياسية بالضرورة، إذ يسمح لها ذلك كما لغيرها من الدول الأخرى الراغبة في التعامل مع مصر مستقبلًا بتنويع مصادر إمدادات الطاقة وخاصة من الغاز التي تسيطر عليها دول قليلة في العالم مثل روسيا وقطر وإيران، بفضل الاحتياطي الضخم لهذه الدول.
وقالت الشركة الإيطالية، في تصريح لرئيسها المنتدب كلاوديو دي سكالزي، أن الخصائص الجيولوجية لحقل شروق وخاصة بئر “زهر” تعد بإمكانات ضخمة جديدة ومكامن أخرى من الغاز، سيجري العمل عليها وعلى استكشافها في القريب العاجل، بعد حفر بئر أعمق ملاصقة باعتماد تكنولوجيا خاصة من إبداع الشركة” ما يُوحي بأن حجم الاحتياطي الحقيقي للبئر أكبر وبكثير مما أعلن رسميًا مساء الأحد في بيان الشركة الإيطالية.
وإلى جانب الأهمية الخاصة التي يكتسيها هذا الكشف، بالنسبة للإيطاليين بما أنه يُعتبر الكشف الأهم في تاريخ الشركة، إلا أن الأهم من ذلك أن المناطق التي تعمل فيها الشركة سواء كان ذلك في مناطق الاستكشاف البحرية في البحرين الأبيض المتوسط والأحمر، أو البرية في الصحراء الغربية وفي الدلتا وغيرها، وحسب ما أوردت تقارير إيطالية مشابهة وقريبة من بئر زهر، تكوينًا وتشكيلًا، وبفضل التكنولوجيا المستعملة التي سمحت بالوصول إلى هذا الكشف، من المنتظر أن تتوالى الكشوفات والإعلانات في الفترة القادمة، ما يجعل من مصر وفق بعض التقارير عملاقًا وليدًا في قطاع الطاقة والغاز على وجه التحديد.
وقال الخبير الإيطالي للصحيفة، إن هذا الكشف وبعيدًا عن الاعتبارات السياسية والإستراتيجية سابقة الذكر، سيكون بمثابة الجسر الجديد لدعم العلاقات الاقتصادية بين مصر وإيطاليا.
وأضافت الوزارة أن شركة إيني تدرس حالياً عدة بدائل من أجل ضغط البرنامج الزمني لتنمية الكشف ليكون في فترة زمنية أقل من المعلنة، مشيرة إلى أن الكشف هو أحد النتائج الإيجابية للاتفاقيات البترولية التي تم توقيعها خلال العامين الماضيين والتي بلغت 56 اتفاقية باستثمارات حدها الأدنى أكثر من 13 مليار دولار.
وقالت الوزارة إن الكشف يفتح آفاقاً جديدة لاكتشافات أخرى، ويؤكد أن منطقة البحر المتوسط بمصر من أهم الأحواض الترسيبية الحاملة للغاز الطبيعي على مستوى العالم.
يوم أسود في إسرائيل ..
القناة الثانية الإسرائيلية قالت إن اكتشاف حقل الغاز المصري يشكك في جدوى تطوير حقل “ليفاثان” الإسرائيلي، والذي كان من المقرر أن يتم تصدير الغاز منه إلى مصر والأردن.
وأضافت القناة الإسرائيلية، أن مصر ستعمل الآن على تطوير هذا الحقل، حتى لا تحتاج إلى الغاز الإسرائيلي لعدة سنوات، فضلًا عن أن أسعار الغاز الطبيعي آخذة في الانخفاض في الشهور الأخيرة.
مصر أغنى دول العالم!
خبراء مصريون أكدوا لـ”العربية.نت” أن هذا الكشف الهائل يؤكد ما سبق من توقعات ودراسات كشفت عن أن مياه مصر الإقليمية تسبح فوق حقول هائلة من الغاز الطبيعي يمكنها أن تحقق لمصر الاكتفاء الذاتي من الطاقة، ويتيح لها تصدير الفائض، لا في صورة غاز خام بل في صورة منتج نهائي كامل يكون الغاز أحد مكوناته كالبتروكيمياويات والأسمدة ومشتقاتهما وغيرها.
وأكد رئيس شعبة المواد البترولية في اتحاد الغرف التجارية، الدكتور حسام عرفات، أن اكتشاف البئر سيغير من خريطة الطاقة في مصر، مشيرًا إلى أن حجم الغاز المتوقع في الاكتشاف يقدر بـ30 تريليون قدم مكعبة من الغاز الطبيعي، بينما الاحتياطي المعلن قبل الاكتشاف كان حوالي 67 تريليون قدم مكعبة من الغاز، أي بزيادة قدرها 50% من الاحتياطي الحالي.
وقال إن إنتاج هذا الحقل يجب أن يتم توجيهه للمشروعات التنموية الجديدة في مصر، والتي ستحتاج لكميات كبيرة من الطاقة، مثل مشروعات تنمية قناة السويس الجديدة ومشروعات البتروكيمياويات والأسمدة وتوليد الكهرباء ومواد البناء، وبالتالي تصدير الفائض من هذه المنتجات وتحقيق قيمة مضافة.
وحول إمكانية دخول مصر قائمة الدول النفطية الغنية قال عرفات: نعم ستدخل مصر قائمة الدول النفطية الغنية، لكن مع ضرورة الاستفادة من التجربة السعودية في إعادة استخدام الغاز والبترول في صناعات أخرى تحقق القيمة المضافة للاقتصاد، وتوفر عائدات مالية أكبر من تصدير الغاز وحده كمادة خام واستيراده بعد ذلك كمنتج نهائي وبأسعار مضاعفة لما تم التصدير به.
السيسي: الحمد لله
وخلال زيارة الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، لدولة سنغافورة، قطع الرئيس كلمته في المؤتمر الصحفي، لكي يهنئ الشعب المصري باكتشاف حقل الغاز، وردد الحمد لله.
محلب: “زهر” رسالة ربنا
رئيس الوزراء المصري، المهندس إبراهيم محلب، قال إن اكتشاف أكبر حقل للغاز، رسالة إلهية أن الله سبحانه وتعالى راض عن مصر وشعبها وأرضها.
وأضاف محلب، في مداخلة هاتفية مع أحمد موسى مقدم برنامج “على مسئوليتي” على فضائية “صدى البلد” المصرية: “الغاز المكتشف كميات كبيرة جدًا، وسوف يؤدي إلى تشغيل عمالة بالآلاف، الحمد لله هذه رسالة من الله إن ربنا واقف مع الشعب المصري ومصر”.