مع نهاية الانتخابات الرئاسية الأمريكية وتربّع دونالد ترامب على عرش البيت الأبيض، تزايدت التكهنات والتقديرات المتعلقة بمدى الانعطافة الحادة المحتملة في السياسة الأمريكية سواء في الداخل الأمريكي أو على المستوى العالمي ، ومن الطبيعي مراجعة المقدّمات التي أفضت إلى فوز ترامب وفريق عمله حتى يتسنى لنا معرفة النتائج المحتملة ، فالنتيجة ابنة السبب كما يقول المناطقة، والمحتمل سياسياً يتناسب طرداً مع منطق ترامب وفريق عمله ، وهذا يقتضي الإشارة إلى أن ترامب يمثّل التيار اليميني المحافظ حد التشدد، وقد تبين هذا الأمر جلياً في خطابه الرئاسي الذي لم يختلف من حيث الجوهر مع خطابه أثناء الانتخابات الرئاسية ، كما تجلى من خلال توقيعه المتسارع على سلسلة من المراسيم الرئاسية في أول يوم لمباشرته العمل في المكتب البيضاوي، وبعدها مباشرة أعطى تعليماته بتخطي النمط الذي ساد في مطاردة عناصر تنظيم القاعدة ، حيث فوجئ الجميع بالإنزال العسكري الميداني في اليمن واستخدام طائرات الأباتشي بدلاً من الطائرات من دون طيار .
توالت بعد ذلك التصريحات النارية الموجّهة ضد إيران، وكانت ذروتها تصريح وزير الدفاع الأمريكي الذي اعتبر النظام الإيراني الراعي الأكبر للإرهاب ، فيما توالت التلميحات الأمريكية بمراجعة بنود الاتفاق النووي مع إيران، وقامت الإدارة الأمريكية بفرض عقوبات جديدة على إيران، الأمر الذي خلق ارتباكاً إيرانياً في الأداء السياسي، حيث لاحظ المراقبون ميل بعض القيادات الإيرانية إلى عدم التصعيد مع الولايات المتحدة، فيما استمر عتاة الحرس الثوري في تصريحاتهم الأيديولوجية المتطيرة .
ومن المؤكد أن غياب القيادي الراحل هاشمي رافسنجاني عن المشهد الإيراني ، وتهميش الإصلاحيين، عزّز من قوة المحافظين في النظام، وحاصر المرجعية السياسية الأكثر تعقلاً وإدراكاً لمخاطر الاندفاع في المجابهات السافرة في الإقليم العربي والعالم برمته، غير أن القول الفصل ما زال بيد الأيديولوجيين المحافظين الباحثين عن تعميم النظام الذي تآلفوا عليه.
بالنسبة لإدارة ترامب تتحوّل معادلة المجابهة المحتملة مع الإيراني إلى معادلة رباعية، تمتد في العراق وسوريا ولبنان واليمن ، ومن المؤكد أن المستشار السياسي الأعلى لإدارة ترامب سيأخذ تلك المجابهة المحتملة وفق خطواتها الرائية لإضعاف النظام الإيراني من خلال قصقصة أطرافه، وسوف لن تلجأ إدارة ترامب في المواجهة المباشرة على خط العراق المنقسم في ولائه لأمريكا وإيران، وسوف لن تباشر صداماً في سوريا مراعاة للتحييد الروسي هناك، وستحيل أمر حزب الله ولبنان لحليفتها الاستراتيجية «إسرائيل»، لكن اليمن ستكون ساحة تصفية الحساب مع نظام طهران، استناداً إلى كامل المقدّمات السياسية، والتطورات الميدانية، والتوافقات الدولية على منهج الحل للمشكلة اليمنية.
الرهان الأمريكي على قصقصة أجنحة إيران في اليمن يمتد في مفاعيله ليعزز التدخل الأمريكي هناك، كما لاحظنا في الآونة الأخيرة من خلال سلسلة الغارات الجوية الأمريكية في أبين وشبوة.
المعلن سياسياً من قبل إدارة ترامب يتلخّص في دعم المرجعيات التي نجم عنها المبادرة الخليجية وقرار مجلس الأمن المتصل بها، غير أن المفاجآت ستتوتر عطفاً على ثوابت الملف اليمني في الأروقة والأراشيف الأمريكية، وفي حالة تحقق رهان المواجهة المحتملة بين واشنطن وطهران، ستكون اليمن المنطلق صوب العراق وسوريا ولبنان.
هذه المرئيات تستمد عناصر افتراضاتها من التطورات الفعلية القائمة على أرض الميدان، بالإضافة إلى التطورات السياسية التي تتجه نحو التركيز على الشأن اليمني أمريكياً.