اخترنا لكنون والقلم

استهانة صهيونية بحقوق المصريين والفلسطينيين

الحديث عن دولة فلسطينية مزعومة تضم قطاع غزة مع امتداد للقطاع داخل سيناء المصرية، يخدم إلى حد بعيد الأهداف الصهيونية في ضم الضفة الغربية المحتلة والفصل بين الفلسطينيين وأرضهم التاريخية، وضرب المشروع الوطني القاضي بإقامة دولة مستقلة على حدود يونيو/ حزيران 1967.
وإطلاق هذا الحديث في هذه المرحلة من شأنه التشويش على حل الدولتين ووضع خريطة طريق أولية أمام الإدارة الأمريكية لمقاربة قضية الشرق الأوسط.
وقد دأبت الأوساط الصهيونية على طرح هذه الفكرة بين أوان وآخر، بهدف تشتيت الأنظار عن حق الفلسطينيين في أرضهم المحتلة، والتلويح ببدائل وهمية تنهي الصراع. وينسب لرئيس الوزراء السابق مناحم بيغن طرحه هذه الفكرة في العام 1977 وقبل عامين على توقيع معاهدة كامب ديفيد مع مصر. ويتناوب حزبيون ونواب وأكاديميون ينتسبون جميعاً لليمين الأكثر تطرفاً، على إثارة هذه الفكرة، بهدف تعزيز الإيحاء بأن ثمة بديلاً لوضع حد للصراع مع تلبية موهومة للطموح الفلسطيني بإنشاء كيان وطني خاص.
ورغم نفي حكومة نتنياهو مؤخراً للفكرة إلا أن أوساطاً مقربة منه( الوزير الليكودي ايوب قرا) أكدت قبوله للفكرة بما يفيد أن نتنياهو يبحث عن الصيغة المناسبة والظرف الملائم لطرحها بصورة رسمية. وواقع الحال أن نعي أن حل الدولتين من طرف نتنياهو، والتراجع الأمريكي عن التمسك بهذا الحل، يوفر وفق رؤية نتنياهو أجواء مؤاتية لطرح الفكرة على الأطراف المعنية ( ليس بينها الطرف الفلسطيني!) بعيداً عن الأضواء وأملاً ب «إنضاج» الفكرة مع الوقت.
بهذا الصدد فقد سمع القيادي الفلسطيني صائب عريقات في القاهرة يوم الجمعة الماضية، تأكيدات من مسؤولين مصريين برفضهم للفكرة وتمسكهم بالحقوق الفلسطينية المشروعة بما فيها حقهم بإقامة دولتهم على حدود العام 1967. وكانت دوائر «إسرائيلية» قد نسبت الفكرة إلى مصر! رغم ما تنطوي عليه الفكرة من تنازل مزعوم عن جزء من الأرض المصرية في سيناء. وسبق لمسؤولين مصريين في مناسبات شتى، أن أبدوا اعتراضهم الشديد على هذا التوجه الصهيوني، مشددين على أن حق الفلسطينيين يتجسد في أرضهم حصراً، وأن سيناء أرض مصرية. وهو ما ردّده أيضا مسؤولون فلسطينيون كان آخرهم صائب عريقات في القاهرة قبل أيام.
غير أن الخطورة في الأمر هو أن تلقى هذه الفكرة الخرقاء قبولاً ولو ضمنياً في واشنطن، وربما في بعض الأوساط اليمينية الغربية. فالتوجهات الأولية لإدارة دونالد ترامب حيال أزمة الشرق الأوسط، تمالئ طروحات الليكود والتيارات الصهيونية الأشد تطرفاً. وإن كان أركان في هذه الإدارة يوحون أنه لم تتم بلورة موقف الإدارة الجديدة حيال الصراع الفلسطيني -«الإسرائيلي» أسوة بملفات أخرى لم تحسم الإدارة موقفها منها، وذلك لانهماك الرئيس في خوض معارك مع الصحافة الأمريكية ومع الأوساط القضائية في بلده!.
من الجدير بالذكر هنا أن الأساطير الصهيونية تضع قطاع غزة خارج مخطط «إسرائيل الكبرى» خلافاً للضفة الغربية المحتلة وفي القلب منها القدس العربية التي تحتل مرتبة متقدمة في الأطماع الصهيونية، وهو ما جعل الاستيطان محدوداً في القطاع، وهو أيضا ما سهّل على أرييل شارون الانسحاب من ذلك الجزء من الأرض الفلسطينية في العام 2005، مع إدامة حصار القطاع جواً وبحراً. غير أن قطاع غزة ( 360 كيلومتراً مربعاً فقط ) يختنق بساكنيه الذين يبلغون زهاء مليوني نسمة، ما يجعل قطاع غزة الأعلى كثافة سكانية في العالم. وبينما يمنع الاحتلال أبناء غزة من التوجه إلى الشطر الآخر من وطنهم، إلا أن دهاقنة الاحتلال رشّحوا أرضاً أخرى هي جزء من سيناء المصرية وبمساحة تضاهي خمسة أضعاف مساحة القطاع، كي تشكل امتداداً له، وحيث تُقام هناك حسب المخطط الصهيوني دولة فلسطينية منزوعة السلاح، مع ما في ذلك من استهانة قصوى بحقوق كل من الفلسطينيين والمصريين في أرض كل منهم، علاوة على محاولة زرع بذور الشكوك بين طرفين عربيين.
ثمة إجماع دولي حول الحقوق الفلسطينية، تسنده القرارات الدولية ذات الصلة، وعليه فإن التمسك بهذه الحقوق في المحافل السياسية يلقى قبولاً واسعاً وتفهماً كبيراً، ومن المنتظر أن يتم تثبيت هذه الحقوق في القمة العربية المقبلة المقرر انعقادها في عمّان بعد نحو شهر، والمهم خلال ذلك إطلاق دينامية شعبية في الداخل الفلسطيني أو بالأحرى عدم مصادرة هذه الدينامية أو كبحها، من أجل أن تظل القضية حاضرة في أذهان العالم، ومن أجل أن يدرك المحتلون والمستوطنون أن لا مستقبل لمشاريعهم التوسعية، ولا ضمان لأمنهم في هذه الظروف الشاذة، وأن لا حل إلا في الاعتراف بحقوق أصحاب الأرض على أرضهم.

 

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى