كانت الموسيقى تصدح بالسلام الوطني الفلسطيني ، تلاه السلام الوطني التركي، بحضور أكثر من أربعة آلاف فلسطيني جاءوا من قارات العالم كافة، ليجتمعوا في إحدى قاعات مدينة «الباب العالي» اسطنبول، فيما كانت جدران القاعة تتزين بصورتين لأتاتورك وأردوغان، ولوهلة أخذني شرود ذهني غريب، حينما تذكرت أننا نعيش الذكرى المئوية الأولى لانتهاء الوجود العثماني في فلسطين، وها أبناؤها يلتئم شملهم قادمين من شتاتهم، في «مصادفة» ذات مغزى، وإن لم تكن مقصودة على الأغلب، ليجتمعوا تحت عنوان «المؤتمر الشعبي لفلسطينيي الخارج»!
دخل السلطان سليم الأول بلاد الشام عام 1516 بعد أن أنهى حكم المماليك، وبهذا التاريخ تكون فلسطين قد دخلت تحت ظل الدولة العثمانية، ذلك الحكم استمر 401 عام، وذلك حينما سقطت فلسطين بيد الاحتلال البريطاني، لتدخل فيما بعد في عملية تدمير ممنهج لم يستهدف الأرض فحسب، بل السكان أيضا، ومن ثم ها هم أحفاد وربما أحفاد أحفاد من حاربوا في صفوف الدولة العثمانية يجدون ملاذا في «ألآستانة» لإعادة لم شتاتهم، بعد أن شطبتهم اتفاقية أوسلو عام 1993 من صفوف الشعب الفلسطيني، وهم يشكلون ما لا يقل سبعة ملايين بني آدم، يحملون فلسطين في قلوبهم، بعد أن حرموا من أن تحملهم على أرضها!
المؤتمر الذي ووجه بحملة تشويه و«تخوين» قبل أن ينعقد، كرس جزءا كبيرا من خطابه لتبرئة نفسه من كل ما حاول البعض إلصاقه به، من قبيل محاولة تكوين جسم بديل عن منظمة التحرير الفلسطينية، ليؤكد في بيانه الختامي وفي غير مكان في الأدبيات التي افرزها، أن هدفه المحدد إسماع العالم عموما، وأبناء الشعب الفلسطيني خصوصا، لصوت سبعة ملايين «نفر» استثنوا من أي تمثيل أو حضور في «زفة» التسوية، ويبدو أنهم لم يجدوا مكانا يرحب بهم ويحتمل مخاطرة الحفاظ على أمنهم، مثلما وجدوا في اسطنبول، فكان هذا المؤتمر غير المسبوق في التاريخ الحديث!
ما أسهل ما يستل البعض سهامه ويبدأ الطخ على «الآخر» حتى قبل أن تتاح لهذا الآخر فرصة التعبير أو حتى إعلان «حسن النوايا»، مؤتمر اسطنبول، هو طرق على جدران الخزان، كما فعل غسان كنفاني في «رجال في الشمس» إنها محاولة للمبادرة بالعمل الذاتي بعد أن أوصدت في وجوههم أبواب العمل سواء من خلال المجلس الوطني الفلسطيني الذي لم يجتمع منذ أكثر من عشرين عاما، حتى أن ممثل القطاع الشباب في المؤتمر بدا يدب بشكل حثيث نحو عقده السابع أو الثامن من العمر، أو من خلال منظمة التحرير الفلسطينية، التي لا تذكر إلا إذا اقترن الحديث عنها بـ «إحياء دور المنظمة» ما يدل على أنها في حالة موت سريري، أو ربما موت حقيقي، لا أدري!
تقديري أن مؤتمر اسطنبول للشتات الفلسطيني، سيكون له ما بعده، وسيذكر بوصفه محطة مهمة في تاريخ النضال الفلسطيني!