نون والقلم

القمة العربية والمستقبل السياسي

تستضيف المملكة الأردنية الهاشمية القمة العربية في 29 مارس/آذار المقبل، وفي المشهد العربي حروب وصراعات وأزمات كثيرة، فمن الحروب والانقسامات في سوريا والعراق واليمن وليبيا والصومال، إلى القضية الفلسطينية التي دخلت منعطفاً خطيراً مع إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أنه يدرس بجديّة نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، بما يؤدي إلى شرعنة الاستيطان اليهودي في الضفة، وتحقيق حلم يهودية الدولة الذي يتضمن إنهاء حلم الدولة الفلسطينية المستقلة، وتحويل الشعب الفلسطيني إلى أقلية في الدولة اليهودية وسط صمت عالمي فلا نكاد نسمع صدى هنا أو هناك خاصة عند من يهتمون بحقوق الإنسان.

ورغم خطورة ذلك على مستقبل القضية الفلسطينية وعلى الأمن العربي بشكل عام، ورغم خطورة القضايا العربية الأخرى، لكن، من المتوقع، أن تحتل القضية السورية حيزاً مهماً من أعمال القمة، ولاسيما بعد أن دعا وزير الخارجية الروسي في الأول من شهر فبراير/شباط، إلى إنهاء تجميد عضوية سوريا في الجامعة العربية، معتبراً أن إبقاء دمشق بنظامها الحالي خارج هذه المنظومة «لا يساعد» على جهود إحلال السلام.

والواقع أن انطلاق مسار أستانة للسلام بين الحكومة السورية والمعارضة، قد فرض واقعاً جديداً، حيث إن الطرف الذي حاور ممثلي الحكومة في أستانا، ليس هي المعارضة السياسية الموجودة في الخارج على اختلافها وتنوعها، بل هي تشكيلات الفصائل المسلحة التي تقاتل على الأرض، والتي قبلت الدخول في هدنة، والانخراط في حل سياسي يحقن الدماء، وينهي الحرب الدائرة، ويعيد الأمن والسلام إلى ربوع سوريا.

وقد لقي مؤتمر أستانة ومن ثم مؤتمر «جنيف4» قبولاً دولياً، حيث دعا الأمين العام للأمم المتحدة أنتوني غوتيريس، المعارضة السورية تشكيل وفد واحد إلى المؤتمر الأخير، كما أكد الأمين العام أهمية مشاركة جامعة الدول العربية في تلك المباحثات، لافتاً إلى أن العملية الانتقالية في سوريا ستتم على ثلاث مراحل، تتضمن تشكيل حكومة انتقالية ودستور توافقي.

وكان الأردن قد انضم إلى اجتماعات أستانة بشأن الرقابة على وقف إطلاق النار في سوريا، ويعد ذلك تطوراً مهماً لجهة الدور الذي يلعبه الأردن على مستوى الإقليم، كشريك مهم للدول العربية، حيث إن حضوره في تلك الاجتماعات يعني قبولاً عربياً بمسار أستانة كطريق وحيد لإنهاء الأزمة السورية. ولا شك أن المجتمع الدولي يسعى سعياً حثيثاً لحل الصراع، خاصة وقد قد قبلت المعارضة المسلحة، بمبدأ المفاوضات للتوصل إلى اتفاق شامل بين جميع الأطراف المتصارعة في سوريا.

ورغم أن وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي قد أعلن أن الأردن سيلتزم قرارات جامعة الدول المتعلقة بعضوية سوريا، كما أن الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، قد اعتبر عودة سوريا إلى الجامعة مقرونة بالتسوية السياسية للأزمة السورية، ذاكراً أنها ستتم حال التوصل إلى إطار للحكم القادم في دمشق. ولا شك أن الإجماع العربي حول سوريا سيعطي دفعة قوية لمسار التسوية فيها، وبما يعيد هذه الدولة العربية إلى ممارسة دورها في المنطقة والعالم. وإذا لم تتم دعوة سوريا لحضور قمة عمان، فلا يستبعد أن توجه لها الدعوة لحضور القمة التي تليها، فعزل سوريا عن محيطها العربي ليس حلاً للأزمة بل تعقيداً لها، وبذلك تكون قد توضحت ملامح الوفاق السياسي بين النظام والمعارضة. وعلى جامعة الدول العربية أن تسعى لبناء سياسة عربية فاعلة إزاء القضايا المطروحة في المنطقة كفعل عربي جاد، وإيجاد مخرج للأزمة السورية ولإعادة بناء التضامن العربي، بل وتفعيله بما يحقق استقراره وتنميته.

لا ريب أن واقعنا كأمة عربية يؤكد من خلال النظرية والممارسة معاً أنه لم يعد هناك أي قطر عربي بمنأى عن التفاعل والتأثر بالأقطار العربية الأخرى، فالمشاكل العربية لا يمكن أن تتوفر حلولها إلا في إطار عمل عربي مشترك، وأن الترابط العربي ليس بقضية إرادة أو مزاج مرتبطين بصانعي القرار، بل إنما سيرورة مترابطة في كافة المزايا الجغرافية والاقتصادية والسياسية. فالتعاون المتبادل والتكامل يشكلان ركنين رئيسيين من الأركان الأساسية للسياسة القومية العربية، وخصوصاً في هذه المرحلة.

وأمام كل هذا لا يوجد من ملاذ سوى بيت العرب، فجامعة الدول العربية ما زالت الرمز الرئيسي للتضامن العربي، والجامعة العربية في هذه المرحلة ليست أداة للوحدة، بل جهاز للتنسيق بين الدول العربية في إطار المحافظة على سيادة كل دولة واستقلالها، وهي منظمة ذات طابع قومي وحدوي يقوم على التعاون بين أعضائها، بهدف تحقيق التقارب والتعاون الإقليمي في الشؤون السياسية والاقتصادية والعسكرية. والجميع يأمل أن تحقق الجامعة العربية رسالتها، وتعمل على رأب الصدع، وتحقيق السلام، ونشر الأمن، وجمع شمل الأشقاء العرب مرة أخرى على هدف واحد، تحقيقاً لآمال الملايين من الخليج العربي شرقاً إلى المحيط الأطلسي غرباً، بعد أن تسرب اليأس إلى قلوب جماهير غفيرة منهم. فهل تخرج القمة عن دور الشجب والإدانة، إلى قرارات فعلية تجد طريقها إلى أرض الواقع، وتعيد الأمل إلى المشردين والنازحين والمهجرين واللاجئين إلى أوطانهم؟.

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى