السياسة بمفهومها العام هي الإجراءات والطرق المتّبعة لإتّخاذ القرارات ووضع القوانين من أجل تسيير حياة المجتمعات البشرية وتقديم أفضل الخدمات لتلك المجتمعات, وهذا ما نراه واضحاً في أغلب بلدان العالم, حيث تجد إن أهل السياسة يعلمون جاهدين على تقديم أفضل الخدمات لشعوبهم, ويقدّمون رغبات ومتطلبات شعوبهم على متطلباتهم الشخصية, وهذا من أهم وأبرز الأسباب التي جعلت الكثير من تلك البلدان تحتل المراتب الأولى في جدول الدول المتقدمة في كل النواحي, لكن هذا الأمر لا تجده في العراق على الرغم من كون هذا البلد يملك كل المقومات التي من الممكن أن تجعل منه البلد الأول في العالم في كل شيء, فهو بلد زراعي, صناعي, نفطي, سياحي, تكثر فيه الطاقات البشرية الكفوءة، بشكل مختصر هو عبارة عن بلد منتج غير مستهلك, لكن ما سبب تردّي الأوضاع فيه وعلى كافة المستويات؟.
الجواب على ذلك التساؤل واضح عند الجميع وهو؛ مَن تصدّى لعنوان السياسة في العراق لم يعملوا لصالح الشعب والوطن, بل كان ولا زال شغلهم الشاغل هو كيف يكنزون الأموال لصالحهم ولحزبهم وللدول التي ترعاهم, كيف يخدمون أنفسهم وكيف يحصلون على المكاسب الشخصية الفئوية الضيقة وهذا ما جعلهم في حالة من التنافس فيما بينهم على سرقة خيرات وثروات هذا البلد الأمر الذي إنعكس سلباً على حياة الشعب, حيث كثرة البطالة وإتّساع دائرة الفقر وتردّي الخدمات وكثرة الفساد, والسبب في ذلك هو السعي الحثيث من قبل أهل السياسة على تحقيق الرفاهية الشخصية والمكاسب الخاصة دون الإلتفات إلى متطلبات الشعب كما عبّر عن ذلك المرجع الديني السيد الصرخي الحسني في المحاضرة العشرين من بحث « وقفات مع توحيد التيمية الجسمي الأسطوري» حيث قال:
{{… السياسة الآن كل إنسان يقول أنا ليس لي علاقة بالآخرين, أنا يصل لي الراتب أو المساعدة أو الرشوة أو المنفعة أو الواجهة أو السمعة أو المنزلة أو أنا مرتاح لا توجد عندي مشكلة, لم أتعرض لشيء حتى لو أحترق الآخرون في باقي البلاد, في باقي المحافظات, في باقي المدن, في باقي القرى, في باقي البيوتات, المهم أنا مرتاح, أنا بخير, ليس علاقة بالآخرين هذه هي السياسة يصل لحقي حتى لو قطعت كل الرقاب, حتى لو سحق كل الناس, كل إنسان كما يقال – كل واحد يقول ياروحي – يانفسي, لا يوجد تكافل, لا يوجد إهتمام لأمور المسلمين, لا يوجد رحمة, لا يوجد تآخي, لا توجد أخلاق, كل إنسان يبحث عن شهوته وعن راحته وأيضاً عن بهيميته ….}}.
فجميع أهل السياسة في العراق قد رفعوا شعار «يا روحي» و «يا نفسي» فأصبحت الأنانية سمة يمتازون بها حتى صار عدم الإهتمام بالآخرين أمر عام ولم يقتصر على الطبقة السياسية وهذا بسببهم طبعاً حيث أغلب الشارع العراق الآن غابت فيه روح التعاون والإهتمام بالآخرين وخير شاهد على ذلك التظاهرات التي حصلت حيث تجد القلة القليلة من فئات الشعب تخرج من باب الحرص على الآخرين والمطالبة بحقوقهم أما البقية فلن يخرج إلا من أجل مصلحة حزبه والجهة التي ينتمي إليها ويكون خروجهم بمطالب خاصة ضيقة وليست مطالب شعبية تخص الشعب عموماً, وهذا ما خدم أهل السياسة من جهة وأضر بالشعب العراقي من جهة أخرى, فتحول شعار «يا روحي ويا نفسي» إلى آفة أكلت الأخضر واليابس في العراق وحولته إلى هشيم, ونسى الجميع قول رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم»(من بات ولم يهتم لأمور المسلمين فليس منهم) والذي يحث فيه على التكافل الإجتماعي وعلى التعاون والإهتمام بشؤون الآخرين, بل لم يلتفت له وكأن هذا القول وهذا الحديث لم يصدر من نبيهم!!.