اخترنا لكنون والقلم

البيت الأبيض..اليوم أسود

لم تستطع الحرائق المشتعلة في الوطن العربي التخفيف من حدة موجة البرد .لا ليست موجة، بل سكينا من صقيع نهشت لحم البشر ولحاء الشجر. نخرت عظم الارض وتسللت الى النخاع «الشوقي» في هذا الشرق الذي كان قبل عقود هادئاً، وعلى شواطئه المتوسطية والخليجية والاطلسية دافئاً.هنا، في شرق المتوسط لم يكن ثمة قاعدة نووية لمشروع استعماري استيطاني احلالي صهيوني.كان اهالي الشط يصطادون السمك بشباك مغزولة من خيوط قنّب من شجر يربطهم بالارض، وعلى الجانب الاخر يزرعون البرتقال، يأكلون منه ما شاؤوا، ومنه يصدرون الى اوروبا في صناديق خشبية هي ايضا من الشجر .

مياه الخليج تزداد الآن سخونة، وها هي طبول الحرب تدق في طهران وواشنطن وطبعا تل ابيب، الرابح الاول من اي خسارة تُمنى بها المنطقة .فكما استفادت من حرب الخليج الاولى والثانية التي استنزفت الموارد، فتوسعت واقامت المستوطنات في الارض الفلسطينية المحتلة 1967، ها هي تحرض على اشعال حرب ثالثة في الخليج وتستبقها بقانون عنصري يشرعن المستوطنات في الضفة الغربية؛ ما يعني ضمها الى الكيان الغاصب لفلسطين التاريخية .قانون يهدف إلى تحويل 120 بؤرة استيطانية إلى مستوطنات جديدة والاستيلاء على مناطق «ج»، والتي تصل مساحتها ما نسبته 62% من أراضي الضفة الغربية، وبالتالي القضاء على فكرة قيام الدولة الفلسطينية المستقلة، وهو ما يسعى اليه نتنياهو وحكومته الحاخامية.

اليوم البيت الابيض، اسود بوجود نتنياهو فيه مزهوا بمكانة لم يحظَ بها على مدى ثماني سنوات.انه ضيف الرئيس ترمب الذي تغزّل به أيما غزل اثناء حملته الانتخابية، وعين له يهودياً متعصباً سفيراً. لكن زبدة الانتخابات تمحوها شمس الواقع .سوف يستقبل ترمب نتنياهو بابتسامة ذابلة وسوف يربت على كتفه ويجلسه بجانبه لالتقاط الصور لكن حين يجلسان حول طاولة المحادثات سيرفع ترامب شارة التحذير لنتنياهو حسب تعبير الكاتب الاسرائيلي أورلي أزولاي في «يديعوت احرونوت». سيوضح ترامب لنتنياهو بان الاحتفال انتهى. فزخم المستوطنات في عمق الضفة الغربية ليس مقبولا . ويرى انه عائقا للسلام. كما أن السفارة الأمريكية ستبقى حاليا في تل أبيب.

 

ترامب لم يمر عليه شهر في المنصب الرئاسي وإذا به يبدأ في فهم قيود القوة.  وانه ليس لديه القدرة لان يغير أنظمة العالم تماما. فقد صفعه الواقع عندما جمدت المحكمة العليا مرسوم الهجرة الذي أصدره ضد المسلمين.تقول يديعوت : «في المستنقع الشرق الأوسطي ترامب ليس لاعبا وحيدا. فليس صدفة أن أعلن البيت الأبيض بان مستوطنات جديدة هي عائق للسلام بعد ساعات قليلة من لقاء ترامب مع الملك عبدالله الثاني عاهل الاردن، الذي أوضح له بان توسيع مشروع المستوطنات ونقل السفارة هما كإلقاء عود ثقاب في برميل بارود».

ترامب قام بالتفافة حدوة حصان وفرض على مستشاريه، وعلى رأسهم زوج ابنته اليهودي جارد كوشنير إيجاد صفقة مناسبة.  فخرائط المنطقة مع الحدود المستقبلية تؤشر على هذا الاتجاه: في هذه المرحلة يتطلع ترامب لان يتبنى أجزاء من المبادرة السعودية التي أقرتها الجامعة العربية، بالضبط مثلما فعل أوباما. وهو يخطط لان يصل إلى صفقة بموجبها تضم الكتل الاستيطانية الكبرى لإسرائيل مقابل أرض بديلة للفلسطينيين، مثلما اقترح قبله الرئيس بوش. وترامب معني بتعزيز المحور السني مقابل إيران الشيعية، لصد تحولها إلى قوة عظمى إقليمية رائدة».

نتنياهو سيحاول ضرب عصفورين بحجر ترمب : الاول ضم الاراضي الفلسطينية المحتلة التي اقيمت عليها المستوطنات ونقل السفارة الاميركية من تل ابيب الى القدس لترسيخها عاصمة لها، والثاني ايران . على الارجح انه لن ينجح في ما يتعلق بالملف الفلسطيني استنادا الى الموقف الاوروبي الرافض للاستيطان والداعم لحل الدولتين .

اما بالنسبة لايران فاحتمالات النجاح اكبر .وقد تغلي مياه الخليج على نار حرب مدمرة ثالثة .

أخبار ذات صلة

Back to top button