نون والقلم

الحقيقة المدمرة

مرشح الانتخابات الرئاسية الفرنسية «ماكرون»، كان متقدماً إلى ما قبل ثلاثة أيام، وفجأة أصبح يحتل المركز الثالث، انقلبت النتائج رأساً على عقب، كل ذلك بسبب تصريح قاله الرجل خلال زيارته للجزائر، وهو لم يقل غير الحقيقة المؤكدة بالوثائق والصور والأفلام، منذ الستينيات الماضية، يوم وقف العالم كله في وجه فرنسا وفظائعها ضد الشعب الجزائري بكل مكوناته، فكانت الحصيلة هي الصفة التي اكتسبتها «ثورة المليون شهيد»، وهذا رقم يعبر بكل معانيه عن الذي حدث.

ولكن الفرنسيين مازالوا يصرون على أنهم لم يخطئوا في الجزائر، منذ عهد شارل ديغول الذي قرر منح الاستقلال لهذا البلد، وحتى الرئيس الحالي هولاند، كلهم يرفضون الاعتراف بارتكابهم جرائم ضد الإنسانية هناك.

حتى إن أحدهم قال: «فرنسا لم تكن مجرمة عندما أرادت تقاسم ثقافتها مع إفريقيا»، أي أن الاستعمار، ونهب الثروات، وضم أراض بعيدة، وتحويل شعوب عن ثقافتهم ومعتقداتهم ولغاتهم بهدف «فرنستهم» مع استخدام القوة المفرطة، بالنار والحديد والرصاص، وليس بالحسنى، كل هذا ليس خطأ، ويعتبر فضلاً لفرنسا على إفريقيا!

ماكرون قال ما لم يقله غيره فسقط في «مستنقع» الوطنية المتطرفة، فالتطرف ليس حكراً علينا نحن كما يصورون اليوم، هو نزعة بشرية تبتلى بها أمم وشعوب، وهو نتاج لفكر جماعي أو طموح شخصي، وفي فرنسا اليوم «ماري لوبن»، المتطرفة ابنة المتطرف المؤسس لأخطر حزب يميني.

وهي المتقدمة حالياً في استطلاعات الرأي، لأنها تمثل الوطنية القائمة على عنصرية اللون والدم والدين، أما ذلك الذي قال الحقيقة، فهو معاد للوطنية، وهذا يذكرنا بكل ما يحدث في منطقتنا حالياً، جماعات متطرفة استبدلت الوطنية بالفكر المتشدد، والنتيجة واحدة.

وهي أن كل جماعة أو تنظيم أو حزب أو حركة تعتبر نفسها على حق، صدقوا أم كذبوا، حسنت نواياهم أم ساءت، لا فرق بينهم، متطرفونا يشبهون المتطرفين في أوروبا، وإن رجعنا إلى الوراء قليلاً سنجد أن أوروبا هي التي علمتنا التطرف والتشدد وفرض إرادة غريبة على إرادة الآخرين، وهيمنة عسكرية وثقافية ودينية، «وجرائم ضد الإنسانية»، وهذه الأخيرة هي الجملة التي استخدمها ماكرون لوصف ما قامت به بلاده في الجزائر، وهي التي يدفع ثمنها اليوم في تراجعه إلى المركز الثالث، وقد تكون سبباً في خسارته لسباق الرئاسة.

الحقيقة جارحة أحياناً، ومدمرة أحياناً أخرى.

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى