ليس من باب التوقعات الحديث عن أن الهواجس الإسرائيلية هي ما سيحكم عمليًا سياسات الإدارة الأمريكية الجديدة حيال الشرق الأوسط، فكل ما يقوله ويفعله الرجل يؤكد ذلك، وها إن لقاءه مع نتنياهو يؤكد ذلك، وقبله جملة التصريحات والأحاديث الإسرائيلية عن نيته تشكيل حلف إقليمي (حلف «ناتو» حسب وول ستريت جورنال) من الدول العربية «السنيّة» ضد إيران، وبمشاركة الكيان الصهيوني.
ما يعني نتنياهو هو تمهيد الأجواء أمام تحقيق ما يريد في الملف الفلسطيني، وتاليا في ملف المنطقة، وهو يحلم بأن يحقق ما عجز عنه أسلافه؛ أولا عبر مسار أوسلو وصولا إلى «الشرق الأوسط الجديد»، وثانيا عبر مسار غزو العراق و«إعادة تشكيل المنطقة»، وكلاهما فشل كما يعرف الجميع.
المطلوب هو إخضاع المنطقة لما يريد، ولن يمر ذلك من دون إخضاع إيران، ومعها كل العرب الذين رفضوا في العام 2000 منح مرجعية لعرفات للموافقة عليها، وقد طلبها تحت الضغط وهو يعرف أنها لن تتوفر، لأن أحدا لم يكن ليجرؤ على تمرير صيغة تقتسم المسجد الأقصى مع الصهاينة، وتمنحهم في الآن نفسه سيادة كاملة على ما تحته.
الحل لهذه المعضلة هو اللعب على التناقض الراهن بين إيران وبين بعض العرب، مع استثمار حاجة النظام المصري للدعم الأمريكي، ويبدو الوضع جاهزا لذلك، ما لم تحدث تطورات أخرى تعيد التوازن للمشهد الإقليمي.
إيران سيتم ابتزازها بالعقوبات في وقت تعاني منه من الناحية الاقتصادية، مع استمرار نزيفها في سوريا والعراق واليمن، فيما سيتم التلويح للسعودية بقانون «جاستا» كوسيلة ابتزاز، ومصر تبدو جاهزة كما أشير من قبل، والنتيجة هي دفع العرب نحو التطبيع وتكريس البؤس الراهن، وما هو أسوأ في الساحة الفلسطينية، وصولا إلى حل ما، أكان انتقاليا يتحول بمرور الوقت إلى دائم، أم دائما يُفرض على الجميع؛ بمسمى دولة فلسطينية بائسة، أم بحل من خلال صيغة ارتباط مع الأردن.
نفتح قوسا لنشير إلى أن الاستجابة لما يريده ترامب، ليست قدرا، وإمكانية الرفض تبقى قائمة رغم سوء الأوضاع الراهنة.
لا مخرج من هذا المصير البائس إلا بتفاهم عربي تركي إيراني على صيغة لإطفاء هذا الحريق ومنع استثماره من قبل الصهاينة على نحو يمنحهم السطوة على المنطقة برمتها من خلال القوة الأمريكية، لا سيما أن أحدا لا يقف في مواجهة ذلك من القوى الدولية؛ لا روسيا ولا الصين ولا أية قوة أخرى.
نقطة الارتكاز في هذا التفاهم هي إيران، ولو تأمّل خامنئي قليلا، فسيدرك أن المسار الذي نتحدث عنه لن يقبل باستمرار سطوته في سوريا، وهي أصلا لم تعد قائمة بالحضور الروسي، فيما لن يهدأ العراق من دون أن يحصل العرب السنّة على وضع مقبول. أما اليمن فلا استقرار من دون عودة الحوثيين كقوة سياسية من دون سطوة السلاح، وبتسوية متوازنة بين جميع الفرقاء، لا سيما أن التطورات على الأرض لا زالت تؤكد أن طريقهم مسدود، وأنهم يستنزفون أنفسهم وكل البلد بلا طائل.
لا يعني ذلك هزيمة لإيران، إلا قياسا بالأحلام غير المنطقية التي تلبّست قيادتها. أما عمليا فهي إعادة للأمور إلى نصابها من دون هيمنة طرف على آخر، لا في العراق ولا في اليمن ولا سوريا ولا لبنان، الأمر الذي ينطبق على الوضع الإقليمي بأخذ إيران لوضعها الطبيعي كقوة ثالثة إلى جانب العرب وتركيا، وبما يحافظ على مصالح الجميع. بدون ذلك، سيطول النزيف، لكن أحلام الصهاينة لن تتحول إلى واقع؛ ليس لأن الشعب الفلسطيني لن يقبل بشطب قضيته، ولكن لأن عناصر المقاومة في الأمة لن تلبث أن تستعيد عافيتها ودورها، ولو بعد حين.