نون والقلم

حرب اليمن ساعدت “الإخوان” سعودياً

المملكة العربية السعودية لا تحب “الإخوان المسلمين” سواء كانوا مصريين أو عرب آخرين أو مسلمين غير عرب، يعترف القريب جداً نفسه من قيادة جماعتهم في لبنان. لكن ذلك لم يبلغ حدّ اضطهاد مواطنيها المنتمين إليهم كما يحصل في مصر، ولا حدّ طرد جماعي للمقيمين فيها منهم أو وضعهم في السجون ريثما يصدر القضاء أحكامه في شأنهم. أقصى ما فعلته حتى الآن في الخارج كان دعم الحكم المصري الجديد بقيادة عبد الفتاح السيسي بالسياسة وبالمال وإلى حدّ ما بتغطية ممارساته “الإخوانية”. أما في الداخل، فقد اكتفت بإخراج كل من يسعى إلى تأسيس إطار تنظيمي لـ”الإخوان” في البلاد منها، وبمصادرة جوازات سفر “المنظورين” من بينهم ولكن الذين لا يقومون بأعمال تستوجب عقوبات شديدة. هذا التصرُّف المعتدل قابله “الإخوان” باعتدال مماثل في دول عربية معينة، فلم تقطع علاقة معهم داخلاً وخارجاً، وبقيت تستقبل وفوداً منهم (وخصوصاً من لبنان) ولكن من دون ضوضاء إعلامية. هذا التصرُّف المعتدل نفسه أفسح في المجال، بعدما خلف الأمير سلمان بن عبد العزيز شقيقه العاهل الراحل عبدالله في الملك، في زيادة نسبة الإنفتاح على “الإخوان” وذلك بهدف درس إمكان تطبيع العلاقة معهم، وخصوصاً بعدما بدأ الأمير الجديد لدولة قطر تميم بن حمد بن خليفة آل ثاني، صاحب العلاقة الممتازة معهم، عملية إقناع المملكة باعتدالهم، وبضرورة الإستعانة بهم في هذه المرحلة لمكافحة الإرهاب السنّي المتفشّي.
إلا أن العامل الأبرز الذي جعل السعودية تتجاوب مع المساعي المشار إليها وتستقبل “الإخوان” وتبحث معهم كان التطورات الخطيرة في اليمن بعد سيطرة الحوثيين المدعومين من إيران الإسلامية ورئيسها “المخلوع” علي عبدالله صالح و”جيشه” على البلاد. وكان أيضاً قرارها، جرّاء الخطر المباشر عليها الذي تشكِّله هذه التطورات، القيام بعمل عسكري لاستعادة اليمن من أحضان طهران إلى الحضن العربي وتحديداً السعودي. ذلك أنها تعرف، عاهلاً ومسؤولين، أن لـ”الإخوان المسلمين” وجوداً مهمّاً في اليمن، وأنهم يعملون في تنظيم إسمه “التجمُّع الوطني للإصلاح”، وأنهم ليسوا “إيرانيين” سياسياً ومذهبياً، وأن الحاجة إلى انخراطهم في القتال ضد “جيش” صالح الذي كان جيش اليمن وضد الحوثيين ماسة. وتعرف أيضاً وإن متأخرة أنها أخطأت في هذا البلد أولاً بعدم إيلاء شعبه واقتصاده وتنميته والتعليم فيه الإهتمام اللازم. وثانياً باعتمادها علي عبدالله صالح الرئيس مدى عقود معتمداً لها فيه، إذ اغدقت عليه الأموال فأسس جيشاً قوياً موالياً له مزوداً أحدث الأسلحة، وألغت علاقاتها التقليدية مع عشائر اليمن وقبائله من زيدية وسنّية، معتبرة أنه باقٍ إلى الأبد في السلطة وأن شعب اليمن لن يثور يوماً على واقعه المزري. وفعلاً انخرط “الإخوان” اليمنيون في المعركة وهم يبلون جيداً فيها.
وفي هذا المجال يرجِّح القريب جداً نفسه من “الإخوان” أن تعمل السعودية في الوقت الذي تراه مناسباً لتسوية أوضاع المصريين من هؤلاء، ولكن ليس على حساب السيسي ونظامه، ولإقناع الأخير بأن الإرهابيين الذين يقاتلهم في سيناء وداخل مصر ليسوا هواة، وأن “إخوان” بلاده لا يزالون هواة في هذا المضمار على الأقل حتى الآن. علماً أن الهواية تتحوّل احترافاً إذا استمر ما يعتبره “الإخوان” ظلماً مثل وصول عدد المعتقلين منهم في السجون المصرية الى حوالى 51 الفاً، ومثل هروب الآلآف منهم الى الخارج مع عائلاتهم. والسودان هي إحدى دول هذا الخارج التي توهم الرياض أنها تسير معها، والتي لا تزال علاقاتها جيدة مع الذين تعتبرهم خطراً عليها في المنطقة.
ماذا يجري في المخيمات الفلسطينية في لبنان منذ أشهر؟ ولماذا يتحوّل عدم الاستقرار الأمني فيها وخصوصاً في مخيم عين الحلوة، الأكبر حجماً وتأثيراً و”استقلالية” عن الدولة وشعوبها المتناقضة، اشتباكات شبه يومية؟ ولماذا تتوالى عمليات الاغتيال والتصفية؟ ومن يقوم بها؟
هذه الأسئلة وأخرى كثيرة غيرها تطرح نفسها بل يطرحها اللبنانيون ويريدون أجوبة عنها. ذلك أنها تترافق مع تفاقم عدم الاستقرار السياسي في بلادهم وتهدّد بتحوُّله عدم استقرار أمني ثابت ومستمر، ولا سيما بعد الشلل الذي أصاب دولتهم لبنان بمؤسساتها كلها انطلاقاً من شغور رئاسة الجمهورية قبل نحو سنة وبضعة أشهر ومروراً بتعطيل مجلس النواب والحكومة. وهو شلل لا يبدو أن هناك شفاء منه حالياً. وللإجابة عنها إستعنا بحركة “حماس” عبر قريب جداً منها لأنها ليست طرفاً مباشراً في ما يجري داخل المخيمات على الأقل حتى الآن، ولأنها تبذل مساع للتهدئة مع آخرين. ماذا قالوا؟

نقلا عن صحيفة النهار اللبنانية

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى