نون والقلم

حقّقت إيران في سوريا أهدافاً «موقّتة»؟

القريبون في لبنان من محور الجمهورية الاسلامية الايرانية وروسيا ونظام الأسد يعتقدون أن بين دوله اختلافات ميدانية وتباينات سياسية، ويعتبرون ذلك أمراً طبيعياً. فأحد الاختلافات بين دمشق وموسكو يتعلق بسير العمليات العسكرية بعد «تحرير» حلب. فالأولى تفضّل التوجّه من حلب الى دمشق لتطهير الجيوب في المنطقة الفاصلة بينهما ولتنظيف محيط العاصمة من «الارهابيين». والثانية تريد التوجه الى الرقّة ودير الزور حيث يحاصر مقاتلو «داعش» جيش الأسد ومؤيديه في قسم من المدينة ومطارها. أما الدافع الى الاختلاف فهو الأهداف، فالأولى تريد استكمال السيطرة على «سوريا المفيدة» للانطلاق منها لاحقاً لتحرير «سوريا غير المفيدة» رغم كونها قليلة السكان وغير قليلة الموارد. أما القيادة الروسية فتعتبر الرقة هدفاً استراتيجياً لأن «تحريرها» يوجّه ضربة الى «داعش» والولايات المتحدة المصرّة على تحريرها بواسطة قوات سورية متمرّدة مدعومة منها ومن تركيا. أما التباينات السياسية بين دول المحور الثلاث فليست كبيرة في رأي القريبين أنفسهم. فإيران وروسيا متفقتان على هدفين هما بقاء الأسد ونظامه ووحدة سوريا. والأولى تعتبر الوضع السوري قوياً، وأن تقسيم سوريا تم تجاوزه بعد استعادة حلب لأنها كانت ستكون عاصمة «الدولة» السورية الثانية. وتعتبر أيضاً أنها نجحت في ضمان أمرين. الأول وجودها السياسي والعسكري عبر «حزب الله» ومقاتليه في الجولان السوري المحاذي للجولان المحتلّ من إسرائيل. ومن شأن ذلك جعلها على تماس معها في سوريا وفي لبنان. وأمر كهذا يبقيها لاعبة شرق أوسطية كبيرة وصاحبة دور مهم في المنطقة رغم الحروب على الأدوار الدائرة فيما بينها (إي إيران) وبين تركيا والمملكة العربية السعودية ودول عربية أخرى غنية وطموحة جداً رغم عدم ضخامة حجمها الديموغرافي وربما الجغرافي. أما الأمر الثاني فهو ضمان بقاء «حزب الله» ابنها وشريكها مرتاحاً في لبنان. وهو الآن في قمة الارتياح ذلك أنه يدير الأمور بكفاءة، ويوظّف الخلافات والتباينات الطائفية والمذهبية والحاجات السياسية والطموحات لجهات محلية عدة من أجل إقامة وضع لبناني جديد تكون له فيه الكلمة الأولى والمرجّحة بل الحاسمة عند الحاجة، رغم المحافظة على مظهر التعددية والمشاركة وحتى المساواة داخل مؤسسات الدولة.

لكن السؤال الذي يطرحه أبناء المنطقة والمهتمّون بها من خارجها يتعلّق بالحل النهائي للأزمة – الحرب في سوريا، وهو الآتي: هل الحل الذي سيأتي عبر تسوية سياسية تعمل لها حالياً روسيا في صورة أساسية قريب وجاهز؟ وهل سيكرّس نهائياً الأهداف التي حقَّقتها إيران في سوريا والمشروحة أعلاه، وخصوصاً التي منها يتعلق ببقاء الأسد ونظامه واستعادة سوريا كلها ووجود إيراني مستمر على حدود إسرائيل في الجولان؟

الجواب الذي يقدمه القريبون أنفسهم ومتابعون آخرون لما يجري في سوريا والمنطقة يفيد أن التسوية السياسية السورية ليست قريبة. وقد تحتاج الى سنوات للتبلور. ويفيد أيضاً أن بقاء الأسد في الحل النهائي يعني إكماله ولايته الدستورية وليس أي شيء آخر. ويفيد ثالثاً أن سوريا الجديدة تختلف عن سوريا الأسد من حيث النظام مع حرص على اشتراك مكونات الشعب السوري كلها فيه. ويفيد رابعاً أن سوريا ستبقى موحّدة، لكن هذا الأمر لا يزال موضع شك عند الكثيرين لأن روسيا هي أول من طرح الفيديرالية صيغة للنظام السوري الجديد، ولاحقاً امتنعت عن الخوض فيها مسايرة لإيران والأسد اللذين يرفضانها. لكن ذلك لا يعني عدم اقتناعها بها أو عدم السير فيها عندما تنضج التسوية والحلول، وبعدما أضافت الى دورها العسكري في سوريا دوراً آخر هو رعاية العملية السياسية لانهاء حروبها. علماً والكلام لكل هؤلاء أن الفيديرالية في العالم العربي بل الثالث عموماً تقسيم مقنّع. ويفيد خامساً أن ظروف الحل النهائي في سوريا تنضج عندما تنضج ظروف السلام الاقليمي بحوار أطراف الصراع في المنطقة وهم تركيا وإيران والسعودية، وكذلك روسيا وأميركا واستطراداً الصين. وفي الحل النهائي هذا لا بد أن تُراعى من روسيا، قبل غيرها، مصالح إسرائيل وأمنها في سوريا ولبنان كما مصالح إيران. والنضج قد ينتظر طويلاً وخصوصاً بعد التغيير غير المحسوم في أميركا بعد انتخاب ترامب رئيساً لها، وبعد «الفوضى» التي تشهدها حالياً في الاعلام والسياسة والفراغ في الادارة وغياب الاستراتيجيا رغم توافر عناوينها العامة.

أخبار ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى