(1)
قبل عام أطلقت قوات الاحتلال الصهيوني حملة أمنية مكثفة شملت كل مدن وقرى وبلدات الضفة الغربية للبحث عن الصهاينة المفقودين، وأسمت حملتها تلك بـ “عودة الإخوة”، إلى أن عُثر عليهم في مغارة وقد فارقوا الحياة.
وقد تداعت الأحداث على إثرها؛ فرَّد الصهاينة المغتصبون بحرق الطفل محمد أبو خضير، وكذلك قصفت قوات الاحتلال مواقع المقاومة في القطاع، وهذا ما حذا بالمقاومة المتأهبة بالرد بقصف المستوطنات المحاذية للقطاع ولا سيما بعد (جريمة حرق الطفل)، غير أن رشقة من القصف الصاروخي للمقاومة طالت مدينة عسقلان، وهذا ما زاد وتيرة الاعتداءات الصهيونية على أهلنا في الضفة والقطاع.
كل ذلك والسلطة في رام الله وحكومة التوافق الوطني تغط في نوم عميق، وما إن تفيق برهة فتكتفي فقط بتوزيع الإدانات لطرفي الصراع، حتى اشتعلت حرب استمرت أكثر من خمسين يوماً في محاولات جادة من الاحتلال وأطراف إقليمية لوضع حد للمقاومة في غزة، ولكنها لم تفلح في أيٍ منها، رغم سيل الجرائم التي يندى لها جبين الإنسانية التي مورست على أهلنا الصامدين.
(2)
واليوم تعود الكرَّة من جديد وتبتدئ سلطات الاحتلال الصهيوني وأذرعه الأمنية بخطف أربعة من رجال المقاومة، بعد مغادرتهم الصالة المصرية في معبر رفح البري بمسافة مئات الأمتار، وهم في أتوبيس الترحيلات متوجهين لمطار القاهرة الدولي في طريقهم إلى تركيا.
وقد تضاربت الأنباء حول الأدوات المستخدمة في تنفيذ جريمة الخطف، فالأنباء الأولية التي جاءت موجهة من الميدان، بأنَّ مجموعة إرهابية هي من أقدمت على هذا الفعل، غير أن الحقائق التي تداعت مسرعة؛ لتكشف أدوات متعددة لعبت أدواراً محكمة في تنفيذ هذه الجريمة، كان أبرزها السفارة الفلسطينية في القاهرة وملحقها الأمني، وكذلك الدور الملعون لجهاز المخابرات التابع لسلطة عباس في رام الله، والذي يقوده ضابط الاستخبارات السابق ماجد فرج من خلال أذرعه الفاعلة في الخفاء فيما يسمى بـ (المحافظات الجنوبية) أي قطاع غزة.
(3)
ولكن الدور المحوري يجب أن يكون من نصيب من وقعت الجريمة في حرمهم (المخابرات الحربية) وغيرها من القوى الأمنية في الدولة الشقيقة التي تشهد نمواً متزايداً في صناعة الإرهاب عبر عناوين مختلقة لخدمة أجندات تضر حقيقة بالأمن القومي العربي.
ولكن كان أكثر ما أثار الغرابة والدهشة هو الاستعباط المستمر الذي تتقاذفه بعض أبواق الإعلام في الشقيقة من كيل للاتهامات التي في أغلبها لغواً بغير فهم ولا علم، ظانين أنها ستنال من الشعب الفلسطيني بكليته ومقاومته الباسلة في غزة.. غير أن كل تلك المقذوفات الكلامية الفارغة لم تلفت المقاومة في غزة عن تحديد المجرم الحقيقي، والأدوات القذرة المستخدمة في هذه الجريمة اللاوطنية.
ويوم تتقدم المقاومة خطوة في اتجاه كسر الصمت، عندها سيعلم الظالمون أنهم أنفسهم أول من سيبوء بخزي الدنيا والآخرة، وأن النار التي يشعلها الصغار في طريقهم للبحث عن أدوار ستحرقهم بلهيبها..!
(3)
فإنَّ الرسالة الإعلامية التي وجهها القائد الإعلامي للمقاومة الفلسطينية (أبو عبيدة) لم تكن غير تحذير واضح الدلالة، التقطته جيدًا الجهة المسئولة مسئولية مباشرة، وأنا أقصد هنا الاحتلال الصهيوني الذي يجيد فن (استحمار) الغير في خدمة مصالحة الاحتلالية البشعة فهي (عقيدة الأغيار).
ولذلك، كان يجب على أدوات النصب والجزم في الفعل الأمني، أن تعي جيداً أنها لن تصل لمقصودها بهذا الفعل الخياني، وأن رياح التغيير نحو الحقيقة ستزيل عفن تلك العروش المرتكزة على تلك الأذرع الأجيرة والعائمة على بحور من الفساد والظلم والاستبداد.
ولربما تكون هذه الخيانة هي (صاعق التفجير) لبراكين الغضب الشعبية في مواجهة كل من سولت لهم أنفسهم على مدار عقود للعب الأدوار القذرة، ولم تكن جريمة الخطف غير المسمار الأخير الذي يدق في نعش هذه العصابات التي تعتبرها المؤسسة الأمنية في دولة الكيان العبري (إسرائيل) كنوزا إستراتيجية، بعد أن برعت كثيراً في خدمة المشروع الصهيوني في كل مراحل تكوينه وتخصيبه.
(4)
وقد كان أكثر ما أثار استغرابي كمتابع ما تكلم به أبو الهول في جريدة الأهرام المصرية تحت عنوان سر اختفاء الفلسطينيين في سيناء، منتقداً الجلبة التي تثيرها حماس، وقد ذهب إلى أنه يوجد الكثير من الإشارات أنها كانت تمثيلية متفقا عليها مع المسلحين.
وعزا بالقول إن شهادات ركاب الأتوبيس بـ “أنَّ الأربعة لم يكونوا من المرحلين المفترض أن يكونوا تحت مسئولية السفارة الفلسطينية”، وفي استخفاف واضح بقوى الأمن المصري وبدقة معلوماتهم ذكر بأنَّهم تعاملوا مع الأربعة بشكل عادي حيث لم يجر ترحيلهم أو منعهم؛ مبرراً ذلك بـ “لربما” أنهم لا يعرفون حقيقتهم بأنهم من الكوماندوز البحري التابع للقسام، إلا من خلال “تقارير إخبارية (إسرائيلية) بعد الحادث”.
ثم لخص القول بأن أحداً لا يعرف هؤلاء الأربعة، ولا أحد كان يعرف أنهم يستقلون الأتوبيس..!، واستخلص من تلك المقدمات نتائج وسيناريوهات.. “بأنَّ قيام مسلحين بانتظارهم واقتيادهم؛ يعني أنَّ الأمر متفقٌ عليه، وأن من سيدفع الثمن هم المصريون، سواء كان الأربعة منشقين عن حماس أو جرى إرسالهم بالتنسيق مع قيادتهم بغزة”.. ياليت أبو الهول ما نطق..!
(5)
فإنَّ ما ذهب إليه أشرف أبو الهول من اتهامات واضحة لأجهزة الأمن المصرية بالجهالة، لدرجة أن المعلومات تصلهم بأثر رجعي من تقارير إخبارية صهيونية، لكن السؤال: كيف قدَّر أبو الهول – في مقاله في جريدة عريقة- بأنَّ الأمر تمثيلية، وأن الأربعة في طريقهم لصناعة الإرهاب مع جماعات متطرفة في سيناء، ولم تذكر التقارير الصهيونية ذلك بعد..؟!
فمتى ستعي تلك الأبواق أن الحقيقة لا يمكن أن تغيب عن العيون الساهرة لحماية الأمن العربي والإسلامي من تمدد بقعة الإجرام الصهيوني عبر تيارات خيانية تلبدت بها أجواء المنطقة، وأن منها من يسيطر على أنظمة حكم في بلدان كثيرة في الإقليم..؟!
أم أنها ستبقى غارقة في غيها إلى أن يأتي الوعد الحق، لتنقشع الغُثائيَّة الموجهة في خدمة مشاريع استخرابية تستهدف الأمة في مقدراتها وأبنائها.
Akad2022@hotmail.com
نقلا عن صحيفة فلسطين أون لاين