مَن ينظر حوله في هذا العالم، هذه الأيام يمنةً ويسرةً، يدرك -دون أدنى شكٍّ- أنَّ العربَ والمسلمين عمومًا أصبحوا يمثِّلون فئة المستضعفين الأولى في العالم كلِّه شرقه وغربه، وشماله وجنوبه، وليس فقط في الدولة التي يكونون فيها أقليَّة، بل حين يكونون الأكثريَّة في كثير من الأحيان؛ حتَّى أصبحوا – كما نقولُ بالعاميَّة- (الحيطة المايلة)، التي يستطيع أيٌّ كان أن يمتطيها، أو يطأها بقدمه، أو يهددها دون رقيب أو حسيب، إذ لا قيمة اليوم لدم العربي أو المسلم، وطبيعي جدًّا أن نسمع ونرى كل يوم، أو كل ساعة أخبارًا عن قتل عشرات أو مئات المدنيين من العرب والمسلمين في كل مكان، في سوريَّة، أو العراق، أو ليبيا، أو اليمن، أو ميانمار، أو مصر، أو فلسطين، والقائمة تطول، والأخبار تمرُّ بسلام ولا تزعج الأذن، ولا تشغل البال، ولا تقرع أيَّ جرس Doesnot ring any bell ، – كما يقول الغربيُّون- ولم يعد كبار السياسيين في العالم يتحرَّجون من الحديث مباشرةً عن العرب والمسلمين بعدائيَّة بصراحة تامَّة، وبتسمية الأشياء بأسمائها، كما فعل الرئيسُ الأمريكيُّ ترامب، حين أصدر قراراته الأخيرة، وأقدم – دون تردد- على تنفيذ ما وعد به في حملته الانتخابيَّة من منع العرب والمسلمين من دخول أمريكا، وأقدم على تحديد بعض الجنسيَّات الـ«شرق أوسطيَّة» التي ستمنع، أو توضع قيود على دخولها الأراضي الأمريكيَّة حتَّى لو كان أصحابها حاصلين على تأشيرات سارية المفعول، كما أكَّد عزمه إعادة فتح معتقلات التعذيب الأمريكيَّة خارج حدودها، كمعتقل جوانتامو، الذي كان سلفه أوباما صرَّح بعزمه إقفاله، وإقفال ملف تلك المعتقلات التي يعارض إنشاؤها الدستور الأمريكي، والأخلاقيَّات الأمريكيَّة، وبالطبع فإنَّ نزلاءَ تلك المعتقلات لن يكونوا إلاَّ عربًا ومسلمين، إذ لا تقوى أمريكا، ولا غيرها من القوى العالميَّة الضاربة إلاَّ على العرب والمسلمين، رغم أنَّ التطرُّف والإرهاب باتا ظاهرة عالميَّة، ولكن لا يوصف أو يوصم بهما إلاَّ العرب والمسلمون، وهو ما جعل الرئيس الأمريكي الجديد نفسه يصرِّح بأنَّه سيجتثُّ التطرُّفَ الإسلاميَّ من على وجه الأرض، ولم يقل «الإرهاب»، أو «التطرُّف» عامَّةً، رغم أنَّ القنوات الفضائيَّة العربيَّة ترجمت كلامه «معدَّلاً» على أنَّه هدَّد باجتثاث الإرهاب، وحين أطلق ترامب مثل هذه التهديدات ونفَّذها، وجد اعتراضًا هائلاً داخل أمريكا وخارجها من مسؤولين ومواطنين، غير مسلمين في غالبيتهم، فأين العربُ والمسلمون؟ وما وزنهم في العالم اليوم؟ وهل لهم أيّ دور أو صفة في القرارات التي تمسّهم؟ ولو كانت صفة مراقب كما يُقال.
أكاد أجزمُ أنَّه لولا توفيق الله للمملكة العربيَّة السعوديَّة وحدها، وهي قائدة الصفِّ العربيِّ، بل والعمل الإسلامي المشترك اليوم – دون أدنى شك- لانتهت قضية سورية كما تشتهي روسيا، وحليفتها إيران، ولأصبحت سورية ولاية فارسيَّة، وكذلك الحال في اليمن، ولولا سياساتها الخارجيَّة القويَّة والواضحة، التي يعلن عنها وزيرها الفذ عادل الجبير، لاستُبيحت كل أرض عربيَّة وإسلاميَّة، ولولا وقفات سفيرها الدائم في الأمم المتحدة السياسي المحنَّك المفوَّه عبدالله بن يحيى المعلمي لمُرِّرت قرارات لا يعلم مدى خطورتها على العرب والمسلمين إلاَّ اللهُ تعالى، وتقف وحدها قيادة المملكة شامخةً وصامدةً في وجه تحدِّيات لم تشهدها الأمة خلال تأريخها كله، ولكن لابدَّ من صحوة عربيَّة وإسلاميَّة شاملة، وأن المرء حقًّا ليتساءل: أليس فيهم رجل رشيد؟ ألا يستشعر العرب والمسلمون -اليوم- ما يحيق بهم من دسائس ومؤامرات، وأخطار، بل إنَّهم يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين، وتنظر كلُّ أمة إلى أختها الأمة الإسلاميَّة الأخرى، وهي تدمَّر بلا اهتمام، ولا اكتراث، وكأنَّ الأمرَ لا يعنيها، ناسين أو متناسين قصة «أُكلتُ يومَ أُكلَ الثورُ الأبيضُ»، أقول – وبالله التوفيق-: أحرى بالمسلمين أن يجتثوا التطرُّف بأيديهم، لا بيد ترامب، وأجدر بهم أن يستفيقوا من غفلةٍ جعلتهم المستضعفين في الأرض، والجوعى، والمشرَّدين، واللاجئين، والفقراء دون غيرهم.