استمعت لحوار قصير مع مديرة معهد العالم العربي في باريس سابقاً، ابنة الراحل الأديب الكبير عابد خزندار، الدكتورة منى خزندار في إذاعة مونت كارلو، سألتها فيه المذيعة عن الثقافة في البحرين فأثنت فيه على رئيسة هيئة الثقافة البحرينية مي آل خليفة ثناءً كبيراً، متحسرةً ومتمنيةً لو أن في السعودية نساء بكفاءتها.
تزامن الحوار أعلاه مع قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب منع مواطني سبع دول أغلبيتها إسلامية من دخول أميركا، وقرار القاضية آن دونللي بإيقاف تنفيذه، إذ كان رد فعل السعوديين في وسائل التواصل هو إعجاب كبير بشجاعتها و«تمنّي» لو أن لدينا مثيل لها.
بالنسبة للقاضية كانت القضية لا تتعلق بالمرأة، بل كان الإعجاب بالموقف، وتحسر على عدم وجود مثيل لها في عالمنا العربي من الرجال أو النساء. هذا كان لسان حال رواد وجماهير الإعلام الجديد إجمالاً.
السؤال الذي يتبادر إلى الذهن بعيداً عن كفاءة الوزيرة البحرينية أو نظيرتها الأميركية هو: هل نفتقر فعلاً إلى الكفاءات النسائية، وهل «تجدب» المملكة عن إنجاب كفاءات أم ماذا؟ أعتقد أن كثيرين مثلي يعلمون يقيناً بأن هذه ليست «لب» المشكلة، ومن يتابع يلحظ السّير الذاتية المذهلة للسعوديات، ولا أقولها لأنهن بنات وطني، مع فخري بذلك، بل لأن الأرقام توحي بذلك.
المسألة بكل بساطة هي الثقة بهن ومنحهن الصلاحيات، فلا تنقصهن لا شجاعة ولا ثقافة ولا تميّز علمي، وبالمناسبة السعوديات الآن يعتبرن من الطليعة عربياً في كل التخصصات.
القاضية الأميركية لم تخرج عن الخطوط الحمراء، وقضية وصفها بالشجاعة ليست خاطئة، ولكنها لم تأت بأمر ستكون عواقبه عليها وخيمة، فهناك شيء اسمه «الديموقراطية» التي لا يتعاطاها جانبنا من العالم الثالث، بحيث زوار الفجر وما بعد الفجر وغير ذلك من التهديد والوعيد، وكما صرح المدير التنفيذي للاتحاد الأميركي للحريات المدنية أنتوني روميرو قائلاً: «هذا يوم مشهود»، وأضاف: «بعد يوم واحد من توقيعه (يعني ترامب) القرار التنفيذي، رفعنا ضده دعوى قضائية. كان قراراً غير دستوري وغير أميركي، وكان يعارض قوانين راسخة لطالما احترمناها في هذه البلاد».
وقال أيضاً: «إن ما شاهدناه اليوم هو أن المحاكم يمكنها أن تؤدي دورها، فهي حائط الصد في بلدنا الديموقراطية، وعندما يسن ترامب قوانين ويصدر قرارات تنفيذية ليست دستورية، فإن المحاكم ستحمي حقوق الجميع».
بالنسبة للدكتورة منى خزندار التي هي أحد الوجوه المضيئة في بلادنا فظلمت نفسها ومواطناتها عندما أصدرت حكماً بخلو بلادنا من مثيلٍ للوزيرة البحرينية. نعم قد تكون الوزيرة مميزة في أدائها، ولا يساورني الشك في ذلك، لكن ما أثق به أكثر هو أن السعوديات نجحن في كل منصب تولينه، على رغم أن بعض المناصب تحتاج إلى أن تمنح لها الكثير من الصلاحيات والدعم. ولعلني هنا أذكّر الدكتورة منى بمقالة كتبها والدها عن معاناة واجهتها ذات مرة في السفر من دون تصريح من ولي أمرها، وهي كما نعرف مديرة معهد العالم العربي بباريس (آنذاك)، ذلك الصرح المعروف، فكيف يُراد لها أعمال ملموسة في ظل هذا القصور تجاه حقوقها البسيطة؟
إجمالاً، المقارنات بين المرأة في المملكة وغيرها من غير السعوديات غير منصفة، فلكي تكون عادلة يجب أن تكون الظروف متشابهة، ولا يحتاج إلى شرح ما هو بديهي لدى الجميع من اختلاف هذه المعطيات.
الخطوة المقبلة، كرأي يخصني، هي بمنح النساء مناصب وزارية، فتجربة مجلس الشورى، وهو الذي من خلال أروقته تم اختيار وزراء في بعض الأحيان، يجعلنا نتساءل عن المانع من اختيار نساء، وهن أثبتن أنهن يضارعن زملاءهن، بل وتفوقن إجمالاً من وجهة نظري؟