نون والقلم

أمريكا و إيران.. جس نبض

الواضح حتى الآن، أن إدارة الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب تعيش هي الأخرى مرحلة «جس نبض» مع إيران ، تماماً كما هي الحال الإيرانية، لكن اللافت في الأمر أنه إذا كانت إيران التي أكدت، وعلى لسان وزير دفاعها حسين دهقان (1/2/2017) قيامها بإجراء اختبار صاروخي مؤخراً، قد استهدفت، إلى جانب جس نبض الرئيس ترامب وإدارته، جس نبض الحلفاء الاستراتيجيين أيضاً، وعلى الأخص روسيا والصين، فإن ردود الفعل الأمريكية المتعجلة والمتشددة التي عنَّفت هذا الإجراء قد استهدفت هي الأخرى جس نبض الروس بصفة أساسية، إلى جانب جس النبض الإيراني بالطبع. هذا يعني أن كل طرف يريد أن يكون دقيقاً في حساباته، ولعل هذا ما يفسر أسباب التهدئة، والتراجعات التي أخذت تفرض نفسها تدريجياً على مواقف الطرفين، الإيراني والأمريكي، لكن هذه التهدئة مؤقتة وستكون الأزمة بين واشنطن وطهران المرشحة للتصعيد لتتسيد أجواء تفاعلات الشرق الأوسط على حساب التسوية التي تشرف عليها روسيا للأزمة السورية، محكومة بالأدوار التي سيقوم بها طرفان أساسيان وفاعلان فيها، هما روسيا و«إسرائيل».

فالاعتراض الأمريكي على التجربة الصاروخية الإيرانية لم يكن دافعه مخاوف أمريكية حقيقية من احتمال أن يكون هذا الصاروخ الإيراني معداً لحمل رؤوس نووية، أو باعتبارها خرقاً لقرارات مجلس الأمن، فواشنطن تعرف جيداً أن إيران لم تصل بعد إلى قرار إنتاج صواريخ تحمل رؤوساً نووية، كما تعرف أن إطلاق هذا الصاروخ ليس له أدنى علاقة بالاتفاق النووي الموقع مع إيران، لكن التحرك الأمريكي أتى متزامناً مع تحرك «إسرائيلي» في مجلس الأمن قام به داني دانون مندوب «إسرائيل» في الأمم المتحدة الذي طالب فور الكشف عن هذه التجربة الصاروخية، مجلس الأمن بالتحرك. وبناء على ذلك دعت واشنطن إلى جلسة لمجلس الأمن بهذا الخصوص. كما أن هذا التحرك الأمريكي جاء أيضاً بالتزامن مع تأكيدات بنيامين نتنياهو رئيس الحكومة «الإسرائيلية» أنه سيطرح على الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خلال لقائه به في منتصف هذا الشهر «الحاجة إلى استئناف فرض العقوبات على إيران: عقوبات ضد الصواريخ البالستية، وعقوبات إضافية ضد الإرهاب، ومعاجلة الاتفاق النووي الفاشل».

وكان إسقاط، أو إفشال الاتفاق النووي مع إيران هو الهدف وما زال، وكانت صواريخ إيران البالستية هي الهدف الثاني بعد أن تجاوزها إطار الاتفاق النووي، وجاءت التجربة الصاروخية الإيرانية الأخيرة لتعطي نتنياهو فرصة الدخول في شراكة استراتيجية «إسرائيلية» – أمريكية جديدة عنوانها إيران، ولعل هذا ما استهدفه نتنياهو عندما جدد في لقائه مع نظيرته البريطانية تيريزا ماي ( لندن- 6/2/2017) دعوة «الدول التي تتحلى بالمسؤولية» إلى إتباع مثال الولايات المتحدة عبر المطالبة بعقوبات جديدة على إيران. وكان نتنياهو شديد الحرص على إطلاق كل ترسانته من التحريض ضد إيران، لذلك أعاد اتهام إيران بأنها «تسعى إلى القضاء على «إسرائيل» وتقول هذا علناً، وهي تسعى إلى غزو الشرق الأوسط، وتهدد أوروبا والغرب والعالم».

الموقف «الإسرائيلي» واضح: إيران هي الهدف، سواء بتجديد الهجوم على الاتفاق النووي لإفشاله، أو بالتحريض ضد القدرات الصاروخية الإيرانية، لكن يبقى السؤال المهم هو: ما هي حدود الاستجابة الأمريكية؟ وإذا كانت هناك نوايا أمريكية، أو استعدادات أمريكية للاستجابة، فما هي حدود القدرات الأمريكية على تحقيق ذلك؟

هذا السؤال يقودنا مباشرة إلى الموقف الروسي. فالواضح حتى الآن أن الرئيس ترامب حريص على العلاقة مع روسيا في ملفات كثيرة، من أبرزها ملف الحرب على الإرهاب، خاصة في سوريا، ويتلكأ في مجاراة الاتحاد الأوروبي في التصعيد ضد روسيا حرصاً على هذه الشراكة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لذلك من الضروري أن نسأل: هل يمكن أن يضحي ترامب بهذه الشراكة الاستراتيجية المهمة مع روسيا وينساق للضغوط «الإسرائيلية» لاستهداف إيران؟

الإجابة عن مثل هذا السؤال تدفع إلى البحث عن الموقف الروسي، وهل يمكن لروسيا أن تضحي بالحليف الإيراني لكسب الشريك الأمريكي أم لا؟ أم أن لروسيا منظوراً آخر هو نزع فتيل المواجهة بين واشنطن وطهران، والحفاظ على العلاقة مع واشنطن من دون خسارة إيران؟

حتى الآن موسكو تدافع عن إيران، وترفض الاتهامات «الإسرائيلية» والأمريكية، وأعلنت أنها تختلف مع دونالد ترامب بشأن البرنامج الصاروخي الإيراني، وأكدت رفضها اتهام إيران بأنها «راعية للإرهاب»، حسب ما ورد على لسان المتحدث باسم الرئيس الروسي. كما أكد سيرجي ريابكوف نائب وزير الخارجية الروسي أن بلاده «لا ترى أنه يوجد أي عقبات تذكر (حتى بعد تجربة الصاروخ) أمام تنفيذ الاتفاق النووي»، مشدداً على أن إطلاق إيران لصواريخ باستخدام تكنولوجيا متقدمة لا يشكل خرقاً لخطة العمل المشترك، والقرار الدولي رقم 2231، ورأى أيضاً أن إعادة فتح هذا الملف فيه مخاطرة كبيرة جداً.

واضح أن روسيا ضد استهداف إيران، لكن، وعلى حد قول صحيفة «وول ستريت جورنال» فإن إدارة ترامب تسعى إلى دق أسفين بين روسيا وإيران، وأن واشنطن تسعى إلى استكشاف سبل من أجل تفكيك التحالف العسكري والدبلوماسي بين روسيا وإيران.

هل يمكن أن تنجح واشنطن في هذا المسعى، وأن يكون الملف السوري هو المدخل لذلك؟

 

أخبار ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى