نون والقلم

قبل الانفلات الكبير!

قد تشكل المواجهة الطالعة بين ادارة الرئيس دونالد ترامب وإيران، نظريا، أول اختبار جدي لمسار التسوية اللبنانية التي بدأت مع انتخاب الرئيس ميشال عون. ونقول نظريا لان ثمة إفراطا داخليا معهودا في رمي كل شاردة وواردة في التعقيدات الداخلية على الخارج. ولا يمكن من الآن ضرب نفير الخوف على انهيار تسوية لم تتجاوز بعد المئة يوم، كما لا يمكن استبعاد دخول لبنان ساحات الحلبات المفتوحة لحرب ترامب على النفوذ الايراني المنفلش في المنطقة. والحال ان ما يعني اللبنانيين اولا هو ان يتيقنوا من متانة مزعومة لواقع بدأ عندهم قبل ثلاثة أشهر ولن يكون واقفاعند شفا قعر بهذه السرعة الخيالية. بمعنى آخر قد تكون آذنت الساعة الآن لاختبار الأناشيد الجميلة التي رفعت بكثافة حول الإنجاز الحقيقي الذي وفر للبنان التفلت من رهن الحروب الاقليمية بالحد الادنى لجعله ينأى بواقعه السياسي الجديد عن تداعيات الصراعات الناشبة. تبعا لذلك ليس غريبا ان يربط التصعيد الداخلي في أزمة قانون الانتخاب بما يصح أو لا يصح في تداعيات المواجهة الاميركية – الايرانية باعتبار ان «حزب الله» عامل اساسي في هذه المواجهة اقليميا ولبنانيا. ولكن الافراط في الربط بين الخارجي والداخلي لا نراه عاملا مفيدا للعهد والحكومة إن صح أنه قد يفيد قوى سياسية معينة بعضها يراهن على تعثرات مبكرة للعهد. وهو الامر الذي يرتب مسؤولية مضاعفة على العهد والحكومة سواء بسواء للدفع نحو إخراج أزمة قانون الانتخاب من حفرة الاستحالات قبل استفحال الانزلاق نحو خيارات ستؤدي الى اعادة لبنان الى حقبات الصراعات المفتوحة مع كل ما تعنيه هذه المرة من أثمان اشد فداحة. ولعل أسرع الطرق الى اقفال ابواب الاستباحة الخارجية الجديدة للواقع الداخلي يبدأ من محاذرة فتح مواجهات ذات طبيعة خطرة تتصل بالاجتهادات الدستورية التي عادت تتطاير في كل الاتجاهات أخيرا كأننا على مشارف عودة الى اثارة شياطين المخاوف من مراحل انقلابية وتأسيسية وما الى ذلك من مألوف الفزاعات السائدة. لا نظن اطلاقا ان التبشير بقانون انتخاب جديد ووشيك يستوي مع اطلاق العنان لمواجهة دستورية – سياسية تعيد الواقع برمته الى نقاط البدايات وربما أسوأ. الواقع الطبيعي الذي يفترض ان يحكم هذه الازمة يرجح تسوية في اللحظة الحاسمة وقبل انفلات الازمة من ضوابطها الدستورية والقانونية والسياسية نظرا الى الخط البياني للتسوية التي جاءت بهذا العهد وبهذه الحكومة. اما في حال معاكسة، واذا مضت الامور في اتجاهات انحدارية، فان ذلك لن يكون اقل من مؤشر خطر على ان التسوية اللبنانية جاءت في ظرف اقليمي عابر انتهى مع بدء العصر الترامبي، وان اهل الداخل هم كما عهدناهم، أضعف بكثير من رهان على قدرة حمايتهم لتسوية كهذه.

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى