ترامب ليس أول سياسي يلعب بورقة الخوف لترويض الجماهير وقيادتها. كثيرون قبله اكتشفوا هذا السلاح السحري واستخدموه بمهارة. هو نفسه لجأ إليه كمرشح ووصل بفضله إلى البيت الأبيض. ومن الطبيعي ألا يتخلى عنه بعد أن أصبح رئيساً.
الأمريكيون مثل غيرهم من الشعوب يبحثون عن الأمن والاستقرار والعمل، ومن السهل إثارة كوامن الخوف في نفوسهم إذا شعروا أن هذه الحقوق الأساسية معرضة للخطر. هذا بالضبط ما فعله ترامب المرشح ثم ترامب الرئيس: إخافة الناس من الإرهاب والبطالة والمهاجرين، ثم تقديم نفسه كمنقذ وحيد قادر على درء كل تلك الأخطار.
وعلى حد وصف صحفي أمريكي، اخترع ترامب أزمة من لا شيء تقريباً ووضع بلاده في أجواء متوترة تشبه ما عاشته بعد هجمات سبتمبر/ أيلول 2001 دون مبرر منطقي أو حاجة ملحة أو خطر داهم.
تذرع ترامب بحماية الأمريكيين كمبرر لمنع دخول أبناء سبع دول إسلامية، وهي حجة لم تصمد أمام حقائق دامغة موثقة بالأرقام الرسمية تثبت أن المسلمين لم يشكلوا في وقت من الأوقات خطراً حقيقياً على حياة الأمريكيين. وفي دراسة أعدّها موقع «هافينغتون بوست» توجد إحصاءات مهمة صادرة عن جهات رسمية تحدد أسباب ومعدلات قتل الأمريكيين خلال السنوات العشر من 2004 إلى 2014 جاء فيها أن اثنين فقط من الأمريكيين يلقون حتفهم سنوياً على أيدي من يطلق عليهم «جهاديون إسلاميون» في حين يلقى أكثر من 11 ألف أمريكي مصرعهم سنوياً بأيدي أمريكيين في حوادث إطلاق نار.
ونقلت الدراسة عن «معهد كانو للأبحاث» تأكيده أن القادمين من الدول السبع (سوريا والعراق واليمن وليبيا والسودان والصومال وإيران) لم يتورط أحد منهم قط في قتل أي مواطن أمريكي في هجوم إرهابي في الفترة من 1975 وحتى نهاية 2015. ونشر الكس نوراستي الباحث في المعهد إحصاءً طريفاً استخلصه من تحليله لحوادث القتل منذ هجمات سبتمبر جاء فيه أن نسبة قتل الأمريكي على أيدي مهاجر مقابل قتله بأيدي أحد مواطنيه هي واحد إلى 3.6 مليار.
لذلك يعتقد كثيرون ومنهم الآلاف الذين تظاهروا ضد قرارات ترامب أن التهديدات المزعومة التي يسعى اليمين الحاكم إلى تسويقها هي تهديدات خيالية لا تستند إلى تقييم موضوعي للمخاطر القائمة.
ولعالم الاجتماع الأمريكي تشارلز كورزمان مجموعة من الدراسات والتقارير والتصريحات المستفيضة تؤكد في مجملها زيف الادعاء بأن المسلمين على نحو خاص يمثلون خطراً حقيقياً على الأمن الأمريكي. مما يذكره كورزمان وهو أستاذ في جامعة نورث كارولاينا ومدير أحد المراكز المعنية بقضايا الهجرة والأمن أن 23% فقط من المسلمين الذين تورطوا في جرائم مرتبطة بالإرهاب في أمريكا ينحدرون من عائلات قادمة من البلدان السبعة المحظورة.
وينفى كورزمان فكرة تورط المسلمين دون غيرهم في العنف مدللاً على ذلك بإحصائية تقول إن 123 شخصاً فقط قتلوا في أمريكا بأيدي إرهابيين إسلاميين منذ هجمات سبتمبر مقابل أكثر من 230 ألف أمريكي قتلوا خلال نفس الفترة على أيدي العصابات أو المتطرفين البيض أو المخمورين أو غيرهم. يعني هذا والكلام له أن نسبة تورط المسلمين إلى غيرهم في حوادث عنف هي واحد إلى 1870.
وبالنسبة للعام الماضي وحده تفيد دراسات الباحث أن 64 مسلماً أمريكياً فقط تورطوا في «عنف جهادي» من إجمالي عدد المسلمين في أمريكا الذي لا يقل عن 3.3 مليون مسلم. وضمن هؤلاء المتهمين شارك 24 فقط في مؤامرة محددة. وأسفرت عملياتهم عن مصرع 54 شخصاً معظمهم في هجوم فردي واحد استهدف إحدى الملاهي في فلوريدا. في المقابل قتل الأمريكيون أكثر من 11 ألفاً من مواطنيهم خلال 2016 في حوادث إطلاق نار.
نختم بإحصائية مهمة، أن عدد القتلى الأمريكيين بأيدي أمريكيين يزيد بنحو 7200 مرة عن عدد القتلى الأمريكيين بأيدي مهاجرين مسلمين منذ سبتمبر 2001.