تباشير تراجع القتال في سوريا والتوجه الى ارساء اطلاق نار في مختلف الاراضي السورية خلال بضعة أشهرأمر يشجع على توقع نهاية مآساة سوريا واهلها، كما يشجع على توقع بدء عودة المهجرين قسراً الى قراهم أو استيعابهم تدريجاً في مناطق تنشأ خصيصاً إما للاستيعاب الموقت وإما حتى لإقامة دائمة وتنشيط لمناطق كانت خالية من الاعمار والمؤسسات الصناعية والتجارية.
ينظر اللبنانيون الى تطور الامور في سوريا بمنظار من تحمل همين: أولهما همّ وشقاء المهجرين السوريين ومعاناتهم سواء في لبنان أو في الاردن أو تركيا، والثاني عبء استيعاب المهجرين السوريين والذي قدره فريق البنك الدولي بما يساوي 2,6 ملياري دولار من الدخل الفائت سنوياً نتيجة انخفاض التصدير الى بلدان الخليج، وانحسار حركة السياحة للمواطنين العرب في لبنان، وتضاف الى ذلك الاعباء التي تتحملها الخزينة اللبنانية لتوفير الكهرباء والمياه، واستيعاب التلامذة، والعناية الصحية الخ وهذه الأعباء تقدر بـ700 مليون دولار سنوياً.
اذا استقرت الاوضاع في سوريا خلال 2017 يكون هنالك متنفس بالغ الاهمية للبنان على أكثر من صعيد ولا بد من اعطاء بعض الامثلة. تقديرات اعادة بناء المنازل والاسواق والبنية التحتية ومعامل الكهرباء، وتكرير النفط في سوريا تقدر بعشرات المليارات من الدولارات، والمستوردات التجهيزية المطلوبة تفرض تأمين اعتمادات مستندية بمليارات الدولارات وعلى مدى زمن لن يقل عن 10 سنين، والمصارف اللبنانية العاملة في سوريا هي المؤهلة لتولي هذا الدور.
المدارس والمستشفيات هي أيضاً في حاجة الى تطوير أو اعادة بناء، واللبنانيون يملكون الخبرات المطلوبة على الصعيدين، كما ان شركات المقاولات المنطلقة من لبنان ومنها شركات أسسها وطورها سوريون سيكون لها مجال المشاركة في اعادة بناء سوريا. وحيث ان غالبية أبنية المكاتب تعرضت لاضرار واسعة في سوريا، يتوقع في مرحلة بداية اعادة الاعمار ولفترة غير قصيرة تمركز رجال الاعمال السوريين في لبنان للعمل في مختلف المجالات التي تتفتح آفاقها في سوريا.
وأخيراً ينخفض ضغط حاجات المهجرين مع عودتهم تدريجاً الى سوريا ومناطقها الآمنة والمجهزة لاستقبال المهجرين ويستعيد لبنان قدرته على استقطاب السياحة العربية ودخول بضائعه بسهولة عبر النقل البري أسواق البلدان العربية في الخليج.
استقرار السلام في سوريا أمر يعني اطلاق أكبر ورشة اعمارية في الشرق الاوسط في سوريا وتنشيط الاقتصاد اللبناني وتجاوز لبنان مصاعب انحسار التحويلات وحركة السياحة والاستثمار، فتكون هنالك في سوريا ورشة ضخمة وتتوافر في لبنان فرص متنوعة للتفاعل مع حاجات اعادة اعمار سوريا كما تنويع الخدمات التي يتقنها اللبنانيون سواء في بلدهم أو في الخارج. والامر المدهش ان السياسيين اللبنانيين لا يدركون الفرص المتاحة بل هم يتوجهون الى خيارات تناقض امكان الاستفادة من الفرص المرجح انفتاحها ولا بد من اعطاء مثلين.
تكاثر الحديث أخيراً عن توسيع منشئات مطار رفيق الحريري الدولي لان اعداد المسافرين تجاوزت الطاقة التي توقعها من وضعوا تصاميم المطار، ولن يكون كافيًا توسيع مبنى السفر والاستقبال، بل ستكون أيضاً ثمة حاجة الى مدرج اضافي أو أكثر وربما اضافة مئات الامتار الى مدرجات قائمة، ويبدو ان دراسة لهذا الهدف قد لزّمت. والتفسير الذي أعطي للحاجة الى التوسيع كثافة المسافرين السوريين الذين اسهموا في زيادة اعداد المسافرين بصورة ملحوظة.
وقبل التفكير في توسيع مطار رفيق الحريري الدولي يجب، قياساً بحاجات السوريين، وضرورات توافر أكثر من مطار تجاري في لبنان، تشغيل مطار الرئيس رينيه معوض الذي هو أقرب الى توافد السوريين من مطار بيروت، وكل المطلوب تجهيز مطار الرئيس رينيه معوض بتجهيزات الكترونية لضبط الملاحة الجوية. وهذا المطار يفترض ان يستقبل الرحلات الطارئة Charter كما طائرات الشحن الجوي. ولا شك في ان كلفة تجهيز مطار الرئيس رينيه معوض أقل بكثير من الكلفة المفترضة لتوسيع مطار رفيق الحريري الدولي، ناهيك بان موقع مطار بيروت كان دائمًا مصدراً للقلق على حركة المسافرين كما على ضبط المستوردات ومنع تهربها من الرسوم الجمركية. وخيار مطار رينيه معوض هو الخيار العقلاني والعملي وحبذا لو يستفيق السياسيون الى ذلك ومن اوائل هؤلاء النائب المستقيل روبير فاضل الذي أوحى باستعداده للعمل الاجتماعي الانمائي على نطاق واسع.
الفرصة الثانية المتاحة والتي تؤمن منافع من توفير خدمات الشحن البحري لسوريا ولبنان واضحة وموجودة في مرفأ طرابلس الذي جهز بصورة جيدة وبتمويل وبعض الاشراف من ممثلي السوق الاوروبية. ومرفأ طرابلس مجهز لاستقبال سفن الحاويات الضخمة ويمكن تنشيطه لتسيير خطوط بحرية للركاب والبضائع. لكن المرفأ حتى تاريخه لا يشغل بنسبة ملحوظة من طاقته، لان الاموال التي يجب رصدها للموظفين غير متوافرة بحسب الادعاءات، وهذا أمر عجيب لان مداخيل المرفأ من التشغيل، كما مداخيل مطار رينيه معوض، تؤمّن للدولة مصادر دخل تتجاوز أضعاف أضعاف تكاليف الموظفين، لكن تشغيل المطار، كما تشغيل المرفأ على ما يبدو، لن يتحققا قبل ان يدرك نواب طرابلس، بل نواب هذا البلد المسكين الذي اسمه لبنان، ان تطوير المناطق يعزز مناعة الاقتصاد ويوفر للمواطنين أملاً في مستقبل أفضل. ولا شك في ان طرابلس عانت من الاهمال مقداراً غير معقول، علمًا بان لها ممثلين في مجلس النواب وفي الساحة السياسية يتمتعون بقدرات وطاقات مادية ومعنوية ملحوظة. فعسى ان نستفيق الى ما هو بين أيدينا عوض البحث في تحقيق مشاريع يتوافر البديل منها والذي هو أكثر فائدة لعدالة التوزيع بين المناطق.