روسيا وإيران وتركيا لم تتفق على فرض هدنة في سورية وإنما اتفقت علينا. روسيا وإيران تؤيدان النظام وتركيا تؤيد جماعات مقاتلة من المعارضة، إلا أن هذا تفصيل، أهم منه أن يحمي كل طرف في الاتفاق مصالحه على حساب الشعب السوري.
الاتفاق في آستانة غاب عنه الإرهابيون من «داعش» و «النصرة»، غير أن الجماعات المعارضة التي شاركت فيه لم يُطلب منها توقيع الاتفاق. بل إن بشار الجعفري، سفير سورية لدى الأمم المتحدة وممثلها في مفاوضات الأسبوع الماضي، أعلن أن القتال سيستمر في مناطق من البلاد مثل تلك المحيطة بالعاصمة دمشق، لضمان وصول الماء الى سكان دمشق الذين أصبحوا اليوم يتراوحون بين أربعة ملايين نسمة وخمسة ملايين. ويبدو أن قوات النظام وصلت الى نبع الفيجة.
هل يستطيع «الفرسان الثلاثة» ضمان وقف إطلاق النار الى حين انعقاد مؤتمر في جنيف في شباط (فبراير) لوضع أسس تسوية سياسية؟
أين السوريون من الاتفاق عليهم؟ هل هم قاصرون في حاجة الى مَنْ يمسك بأيديهم ليقطعوا الطريق؟ أين الأمة؟ هي نامت نومة أهل الكهف ولم تستيقظ بعد. الدستور الذي وضعه الروس يلغي اسم الجمهورية العربية السورية ويختار بدلاً منه الجمهورية السورية. هو أيضاً ألغى فقرة في الدستور تنصّ على أن الفقه الإسلامي مصدر للتشريع، ولم يحدد دين الرئيس فقد ألغيت المادة التي تنص على أن الرئيس يجب أن يكون مسلماً. ثم هناك أن اللغتين العربية والكردية متساويتان في مناطق «الحكم الذاتي الثقافي الكردي». هل ممكن أن يشرح لي المستعمرون الجدد معنى هذا الكلام؟
بين التعديلات الأخرى التي قرأت عنها أن «الإدارات المحلية» ستصبح «جمعية المناطق» وتتولى السلطة التشريعية في البلاد، وهي مع «ممثلي الوحدات الإدارية» تعقد مجلسها على نحو منفرد عن مجلس الشعب، ويجوز لها عقد جلسة عامة للانتخاب والاستماع الى رئيس الوزراء أو رئيس الجمهورية.
الرئيس يُنتَخب لولاية واحدة قابلة للتجديد ولاية أخرى تالية، ويؤدي القسم الدستوري أمام أعضاء جمعيتي الشعب والمناطق. القوات المسلحة تخضع للرئيس فيتولى منصب القائد الأعلى للقوات المسلحة. وفي حال عدوان أو تهديد بالعدوان يحق له اتخاذ إجراءات للتصدي للخطر مع إبلاغ جمعيتي الشعب والمناطق. مع هذا كله القوات المسلحة تكون تحت رقابة المجتمع ولا تتدخل في السياسة ولا تؤدي دوراً في انتقال السلطة، كما يحرم تنظيم أعمال عسكرية أو ذات طابع عسكري خارج سلطة الدولة.
ثم هناك القَسَم الدستوري فقد أسقِط منه اسم الجلالة، أو أي إشارة الى قومية عربية أو اشتراكية. أسأل هل يقسم الرئيس بأسماء روسيا وإيران وتركيا؟ في روسيا رئيس يقود البلاد كما يريد، وفي إيران هناك حكم ديني يقوده المرشد وآيات الله، وفي تركيا يسعى رجب طيب أردوغان الى قيام سلطنة تركية أو عثمانية جديدة. لا شيء يجمع بين الدول الثلاث سياسياً غير الاستيلاء على سورية.
في كتابي الشخصي سورية بلد عربي لكل أهله. وقد دافعت عن الأكراد في الماضي وأدافع عنهم اليوم، إلا أنني لا أطلب لهم دولة مستقلة أو كياناً خاصاً في مناطقهم من سورية، لأن أعدادهم قليلة، وهم محاطون بدول تكنّ لهم العداء فنحن نرى كل يوم مصيبة الأكراد مع الحكم في تركيا.
سورية في قلب الأمة ولا يمكن أن تعود مستعمَرة. وكان سلطان باشا الأطرش أول مَنْ ثار على الاستعمار في منطقتنا سنة 1925، كما فعل قادة مصر قبله وبعده. وعندما استقلت سورية كان أول رئيس وزراء فارس الخوري، وهو مسيحي من بلدة الكفير اللبنانية. حكم البلاد أهلها، وكان هناك القوتلي والأتاسي والجابري والشهبندر والعظم والعسلي والقدسي والبرازي وغيرهم. الانقلابات العسكرية نكبت سورية حتى وصلنا الى وضع نترحم فيه على الانقلابيين ونحن نرى روسيا وإيران وتركيا تنهش الجسم السوري.