أصبح دونالد ترامب حقيقة، لم يعد رئيساً منتخباً أو مرشحاً فائزاً في الانتخابات، إنه اليوم رئيس الولايات المتحدة الأميركية الخامس والأربعون، صورته دخلت التاريخ في قاعات البيت الأبيض، وحتى لو بقي يوماً واحداً بهذه الصفة، سيطبع اسمه في الذاكرة الأميركية والعالمية.
كان يوم التنصيب طويلاً وحافلاً، رئيس يغادر بعد أن يسلم كل المفاتيح التي بحوزته، ورئيس سعيد بكل الذي يدور حوله، وأفراد عائلته لا يقلون عنه سعادة، ولولا «البروتوكول» والتعليمات المشددة لرأينا العجب من «ميلانيا» والبنات، ولكن بصراحة كانت السيدة الأولى عشرة على عشرة في يومها الأول، رزينة، جادة، لا تبتسم، ولا تتجهم.
بل ترسم بعض الانفعالات المدروسة، ولباسها معبر عن المكانة التي تمثلها، ونجحت في تقمص شخصية جاكلين كيندي، فأعادت الجميع إلى ذكريات وصور الستينات من القرن العشرين، وأعتقد أن السيد الرئيس قد حمد الله كثيراً لأنها لم تطلب إلقاء كلمة أو تخطف مكبر صوت، فقضية الاقتباسات من ميشيل أوباما وغيرها مازالت عالقة في الأذهان منذ الحملة الانتخابية.
وبدأ العالم يترقب، الكل متوجس، والسيد الرئيس مُصِرٌّ على مجموعة أولوياته، لم يكن يمزح في أثناء الحملة الانتخابية، فقد أكدها أثناء كلمة التنصيب، بعد القسم قالها، صحيح أن أغلبها إنشائي يستهدف العواطف والمشاعر، خاصة لدى أولئك الذين يتعلقون بالآمال حتى وإن كانت واهية، ولكن أغلب ما قاله وكرره قد يحدث انقلاباً عالمياً، فالرجل يريد أن يتعارك في كل الميادين.
ولن نقول يقاتل، فالاقتصاد والحدود والتحالفات والقواعد العسكرية والصناعة الأجنبية تعني خوض معارك مع العالم كله دون مبالغة، فالحدود للجارة المكسيك، والصناعة الأجنبية التي دعمت على حساب الصناعة الأميركية مقصود بها الصين، والحماية والإثراء مقابل تلاشي الثراء الأميركي كلام موجه إلى ألمانيا وأوروبا، ودعم الجيوش الأجنبية يخص عشرات الدول المبرمة لاتفاقيات دفاعية وأمنية مع بلاده.
في البيت الأبيض سيهدأ السيد الرئيس، فقد وصل إلى الجناح الرئاسي كما قال وتوقع في شهر مايو الماضي، وفي ذلك الجناح حقائق وموازين ومقاييس، وواقع يختلف عن الظاهر!