نون والقلم

لماذا نضعف صحافتنا؟

صحفنا الورقية، هي منابر رأي عام، تخدم الوطن، وتشكل منصة للخطاب الوطني المعتدل، الذي يحرس الجبهة الداخلية، خاصة في ظل الانفجار المعرفي، وسهولة تداول الإشاعات والأنباء الكاذبة، بعد أن وفرت وسائل التواصل الاجتماعي منابر مفتوحة وبشكل دائم لكل من هب ودب، من هنا يبرز دور الصحافة الوطنية في ترشيد تبادل المعلومات، وحماية الرأي العام من الإشاعات والتقولات، ووجب على دولتنا أن تولي هذا القطاع ما يستحق من اهتمام، كي يبقى واقفا على قدميه، لا أن تخصه بإجراءات تعيق عمله، دون نظر إلى الدور الحضاري والوطني الذي تقوم به، ودون اعتبار لكونها استثمارا مختلفا تماما عن أي استثمار اقتصادي بحت، صحيح أن مؤسساتنا الصحفية ليست فوق القانون، ولكن التعامل معها باعتبارها استثمارا يخضع فقط لقانون الربح والخسارة «الأصم» فيه ظلم كبير ليس للمؤسسة الصحفية فقط، بل للقارئ والوطن، أيضا، فمهما قيل عن ضمور دور الصحافة الورقية لصالح وسائل الإعلام الحديثة الأخرى، إلا أنه لم يحن بعد وقت إصدار شهادة الوفاة لهذه الصحافة، فلم تزل هذه الصحافة جزءا من الذاكرة الجمعية الوطنية، خاصة في بلادنا، حيث لم تزل طاعات واسعة من الموطنين مدمنة على «شم» ورقة الجريدة مع تناول قهوة الصباح، وحرمان هؤلاء من هذا الإدمان، باستهداف المؤسسات الصحافية بالضرائب والقضايا والملاحقات القانونية، مع أزمتها الاقتصادية الخانقة، يؤذن بشر مستطير، ليس لأنها لم تزل مصدر رزق لآلاف العائلات الأردنية فقط، بل لأنها قادرة على أداء رسالتها ولو على نحو جزئي، لكنه ضرورة لا غنى عنه، حتى مع محاولات إضعافها وإنهاكها، بقصد أو بغير قصد!

إن استهداف  الدستور  والرأي على النحو الذي قامت به أكثر من جهة حكومية، ومنها الضمان الاجتماعي غير مبرر وغير مفهوم، ويفاقم من أزمتها الحالية، علما بأننا نثمن وقفة الحكومة المتفهمة معها، وخاصة وزير الدولة لشؤون الإعلام الدكتور محمد المومني، الذي لم يقصّر في فعل كل ما يستطيع بهذا الخصوص..

كانت  الدستور ولم تزل، وستبقى بإذن الله منبرا حرا من منابر الوطن، ولا يدخر الزملاء العاملون فيها أي جهد مستطاع لمساعدتها على عبور الأزمة، التي يعاني منها كل القطاع الاقتصادي في البلد، ولا نفهم كيف يتم استهدافها على وجه الخصوص من قبل دوائر رسمية، مع أن ثمة عشرات بل مئات من الشركات التي لا تعاني من أي تعثر، وتتهرب ضريبيا، على أيدي خبراء في التهرب، فقط فرارا من أداء ما عليها من استحقاقات، فضلا عن وجود عشرات الاستثمارات المتعثرة، والتي يتم الإسراع إلى إقالتها من عثراتها مرة واثنتين وثلاث مرات، بل أكثر، في وقت يعاني فيه الاقتصاد من ضائقة ربما لم يشهد لها مثيلا، الدستور وغيرها من منابرنا الوطنية الورقية لا تطلب –كما علمنا- دعما ماليا مباشرا، بل تتطلع لمراعاة ظروفها الحرجة وإمهالها بعض الوقت لالتقاط أنفاسها، بتأجيل الطرق على رؤوس إداراتها بكثرة المطالبات، وهي بالمناسبة مطالبات قانونية ومحقة، لكن تأديتها الكاملة في هذا الوقت بالذات يعني اللجوء إلى خيار هدم المعبد، وهو خيار لا يضر بالمؤسسات الصحفية فقط، بل بالجهات الحكومية التي تستثمر فيها، من حر مال المواطن، ولا أظن أن إفشال هذا الاستثمار، ودفعه للإفلاس من مصلحة أحد، قارئا كان أو عاملا في المؤسسة، أو مستثمرا فيها!

أخبار ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى