من هنا نبدأ بنقل طموح دولة القانون من الأحلام والكلام إلى مؤسّسات الدولة ودوائرها.
الرئيس ميشال عون يتحدّث، في خطاباته وكلماته وحواراته وأحاديثه، عن التجديد والإصلاح والتغيير على كل المستويات. من أعلى الهرم إلى أسفله.
ولا يخلو حديث له من ذكر ذوي الكفاية والجدارة والنزاهة، الذين ستكون الإدارة الجديدة في انتظارهم.
وبديهي أن تكون مهمّة بهذا الحجم والأهميَّة في مقدَّم هموم الحكومة واهتماماتها. فمشكلة لبنان من أوّله إلى آخره سببها التسيُّب الذي يعمُّ الإدارة في الدرجة الأولى، وتالياً في الفساد الذي يعمُّ البلاد وأهلها الذين يدلُّ عليهم الناس بالأصابع… مع أن المظاهر والتصرّفات والامتيازات تكاد تقول للقاصي والداني ما كاد المريب أن يقوله. أي: خذوني.
وما زال بعضهم يردِّد إلى اليوم ما قاله الرئيس سامي الصلح عن الفساد، وصحبه، والعابثين بالمال العام، إن فساد السمكة يبدأ من رأسها. وفساد الدولة يبدأ من رؤوسها. وفساد الإدارة من رؤوس مسؤوليها.
وعلى هذا الأساس يمكن بناء الإصلاح المطلوب، ودعمه بالكفايات المشهود لها بالاستقامة ونظافة الكف والضمير.
المثل الآخر، والأكثر انتشاراً، يفيدنا أن المكتوب يُقرأ من عنوانه.
وواقع الحال، وواقع المؤسَّسات والإدارة والمصالح والمجالات الأخرى، يُقرأ اليوم من العنوان الرئيسي. أي الفساد، بصورة عامة وعلى العمياني.
كذلك الأمر بالنسبة إلى التعيينات، والتشكيلات، والتجديدات، والنفضة الشاملة للإدارة المُنتظرة منذ سنوات وعهود. وهي ليست في النيّات والرغبات والخطابات، بل هي تظهر وتُقرأ على الطائر من الأسماء والسجلّات، وعطر النزاهة الذي يدلّ على صاحبه.
اللبنانيّون بصورة عامة لم يعد يقنعهم أيُّ كلام على محاربة الفساد والفاسدين. بل لم يعودوا يصدِّقون كل ما يُقال عن محاربة هذا الوباء، وهذا العار، وهذه الفضائح.
وانسجاماً مع الواقع الذي لا يحتاج إلى تعريف، يردِّدون لدى سماعهم أحاديث الإصلاح والقضاء على الفضائح و«أبطالها» ما يقوله المثل المصري: اسمع كلامك يعجبني أشوف أمورك استعجب.
لا قيامة للبنان من هذه الوقعة، ولا عودة للازدهار والتألُّق من جديد إلا باتّباع مبدأ أو مَثَل سامي الصلح. وبلا تمييز بين ظهر فاسد مسنود وظهر «مسكين» لا يهزُّه البارود.
ولا أمل في أي قرار إصلاحي على مستوى كل المؤسّسات، الكبرى كما الصُغرى، إلّا بالعودة إلى برنامج الرئيس فؤاد شهاب وأسلوبه.
وإلّا سيبقى الإصلاح والتغيير مجرَّد شعار يُستحضر في بعض المناسبات.