العالم اليوم إلى جهة مجهولة
اربطوا الأحزمة جيداً.أنتم الآن على متن الطائرة المتجهة إلى…لا احد يعرف إلى أين! العالم في الطائرة المخطوفة، لسنا وحدنا نحن العرب بل العالم كله سواء كان عدواً أو صديقاً لأميركا.
يتسلم دونالد ترامب مهامه الدستورية رئيساً للولايات المتحدة الأميركية.الرجل كحجر البحر كلما مسكته من ناحية يفلت من يدك من ناحية أخرى،لا يعجبه عالم ما بعد الحرب العالمية ولا تقسيمات الحلفاء.
ولا سياسات من سبقوه في البيت الأبيض ديمقراطيون وجمهوريون، يرى في روسيا التي شكلت في العهد السوفييتي النقيض الأكبر والعدو «البارد» للغرب بزعامة أميركا،شريكاً يمكن التعامل معه وفي بوتين «القيصر البلشفي»، صديقاً ذكياً.
الرئيس الأميركي الجديد لا يؤمن بالقلم ولا يحب الحروف والكلام الأنيق،يحمل على جنبيه مسدسين،الأول محشواً بالمال والثاني بالأرقام.الأهداف كثيرة، الصين، الشرق الأوسط،أوروبا،حلف شمال الأطلسي «الناتو» الذي قال عنه انه «عفي عليه الزمن، ولن يكترث أن سقطت كل العصافير عن شجرة العلاقات الأميركية الدولية، المهم أن تبقى أميركا سنديانة الأميركيين القوية.
منذ فوزه وحتى اليوم تتصدر أخبار ترامب الصحف ووسائل الإعلام؛ ليس لأنه زعيم أكبر دولة في العالم، بل لأن قصصه مثيرة للجدل، إلى جانب مواقفه السياسية، فضلا عن طريقته في التعامل مع الآخرين، ومن ضمن ذلك وسائل الإعلام.
ففي أول مؤتمر صحفي له، اصطدم ترامب بثلاثة صحافيين وهذا يعكس طبيعة شخصيته، أما الفريق الذي عينه، أو اقترحه، فلا يقل عنه إثارة، من دون أن ينسجم بالضرورة مع مواقفه المعلنة، فهذا أحدهم يقول إن تل أبيب هي عاصمة إسرائيل، خلافاً للحديث عن نقل السفارة الأمريكية إلى القدس.
وهذا آخر،وزير الدفاع، يعتبر روسيا التحدي الأكبر للولايات المتحدة، فيما يرى هو أن الصين هي التحدي الأكبر، وهذا ثالث يدافع عن روسيا، وذاك يرفض الاتفاق النووي مع إيران ومن يدري ماذا بعد.
ترامب سيحول العالم إلى شيء آخر أما أول المبشرين بجنته فهي إسرائيل.وسيوفد لها جاريد كوشنر صهره اليهودي زوج ابنته ايفانكا مبعوثاً للسلام،السلام الإسرائيلي طبعاً وسلام المستوطنات وترسيخ القدس عاصمة أبدية لإسرائيل.
لقد استبق نتنياهو الأحداث ولم يستطع إخفاء فرحه بمقدم ترامب حيث استهزأ بمؤتمر باريس الذي حضرته سبعون دولة وأكد في بيانه الختامي ضرورة حل الدولتين لإنهاء النزاع الفلسطيني الإسرائيلي، محذراً الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني من اتخاذ أية «خطوات أحادية الجانب» تستبق نتيجة مفاوضات قضايا الوضع النهائي، ومنها قضايا القدس والحدود والأمن واللاجئين.
ورحب البيان بجهود دفع السلام في الشرق الأوسط، بما في ذلك قرار مجلس الأمن الأخير رقم 2334 الذي أدان النشاط الاستيطاني، كما أدان ما وصفها بالأعمال «الإرهابية».
إلا أن نتنياهو الذي رفض الدعوة الفرنسية للمشاركة في المؤتمر قال في الكلمة التي افتتح بها جلسة حكومته الأسبوعية غداة مؤتمر باريس،«إن المؤتمر الذي عقد في باريس، هو مؤتمر عبثي، لقد تم التنسيق بشأنه بين الفرنسيين والفلسطينيين، والهدف منه فرض شروط على إسرائيل، لا تتلاءم مع احتياجاتها الوطنية.
ومفهوم أن المؤتمر يُبعد السلام، لأنه يجعل المواقف الفلسطينية أكثر تشدداً، وهذا ما سيُبعدهم عن المفاوضات المباشرة دون شروط مسبقة،أضاف: إنني ملزم بالقول، إن هذا المؤتمر يطلق الأنفاس الأخيرة لعالم الأمس. فغداً سيبدو العالم بشكل مغاير، والغد قريب جدا، في إشارة إلى بدء ولاية الرئيس الأميركي دونالد ترامب.
غير أن ثمة في إسرائيل من يتوجس لمقدم ترامب فها هو المحلل المهم «يعقوب عميدور»، يكتب في «إسرائيل اليوم»:«مثلما تبدو الأمور الآن، وحتى لو كان مبكرا إصدار الحكم، فإن مشاعر الرئيس وميوله ستشكل أساساً مريحاً أكثر بالنسبة لدولة إسرائيل. ولكن يجب أن نتذكر أنه رجل أعمال عنيد».
أحد أهداف الاستعجال في عقد مؤتمر باريس عشية تسلم ترامب مفاتيح البيت الأبيض، هو حاجة المجتمع الدولي لرسم خطوط ووضع قيود على مواقف وتحركات الرئيس المنتخب«غير المتوقعة».
فكما فعلت إدارة أوباما في مجلس الأمن (القرار 2334) وفي تصريحات جون كيري، فعل المجتمع الدولي في باريس شيئاً مماثلاً، بيد أن بريطانيا لا تجد ضرورة لذلك، لأنها بالأصل ليست قلقة حيال الأوضاع في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ولا يثير حفيظتها ابتلاع المزيد من الأراضي الفلسطينية يومياً، وبصورة منهجية ومنظمة.
سيكون من الصعب التنبؤ بسلوك ترامب السياسي، في ذات الوقت الذي يصعب الجزم بطبيعة تعاطيه مع مؤسسة الجيش والأمن، لا سيما أن ما جرى خلال الأسابيع الأخيرة ألقى بظلال من الشك حول تلك العلاقة، حتى وصل الحال بالبعض حد التشكيك في ما إذا كان سينهي سنوات حكمه الأربع أم لا.
كلاهما نتنياهو و ترامب يتحدثان عن العالم كما لو انه قطعة جبن انتهت صلاحيتها، لكن فات نتنياهو أن ترامب رجل مزاجي سريع التحول، رجل قد لا يعول على مواقفه وقد يتخذ قرارات اليوم ويتراجع عنها غداً.وقد ينقلب السحر على الساحر نتنياهو في أية لحظة !