الكَائِنَاتُ العَربيَّةُ – فِي الغَالِب- مُصَابةٌ بالازدوَاج، لِذَلك هي تَقولُ مَا لَا تَعتَقدُ، وتَعتَقدُ مَا لَا تَفعلُ، وتَفعلُ مَا لَا تَعتقدُ، كَمَا أَنَّها تُحبُّ التَّقوَى، وتُمارسُ العصيَانَ، وتَمتَدحُ الشَّجَاعَة، وتَتولَّى يَومَ الزَّحفِ … الخ!
وإذَا أَردتُم المِثَال الصَّارخ عَلى التَّناقُض؛ بَين القَول والفِعل عِند الكَائن العَربي، ستَجدونه فِي عَلَاقة هَذه المَخلوقَات بالمَال، فهُم يُحبُّونه حُبًّا جَمًّا، ويَشتمونه شَتمًا جَمًّا..!
و لَكَ أَنْ تَتصوَّر أَنَّ بَعضَ العَرب، يُجرِّب حَظَّه فِي التِّجَارَة، فإذَا خَسِرَ مَاله قَال: (القَنَاعَةُ كِنزٌ لَا يَفنَى)، أَمَّا في رِوَاية الأغنيَاء فهُم يَقولون: (القَنَاعَةُ كِنزٌ لَا يُغني)..!
وإذَا قَلَّبتَ كُتب التُّرَاث، ستَجد أَنَّ العَرَب تَفنَّنوا فِي شَتْم المَال، رَغم حُبِّهم لَه، وقَد تَساءَل أَحدُهم قَائِلاً: (لِمَاذا كَلِمَة دِينَار تَحمل فِي آخر حرُوفها نَار، ولِمَاذا كَلِمة دِرهم تَحمل فِي آخَرها كَلِمَة هَمّ؟)..!
أَكثَر مِن ذَلك، هُم يَشتمون النَّاس، الذين يَبحثون عَن أَهل الذَّهب والفِضَّة والمَال، ولذَلك قَال شَاعرهم:
رَأيتُ النَّاسَ قَد مَالوا
إلَى مَن عِنده مَالٌ
ومَن لَا عِنده مَالٌ
فعَنه النَّاس قَد مَالُوا
رَأيتُ النَّاسَ قَد ذَهبُوا
إلَى مَن عِنده ذَهبٌ
ومَن لَا عِنده ذَهبٌ
فعَنه النَّاس قَد ذَهبُوا!!
ولَم يَكتفِ العَربُ بذَمِّ المَال، بَل انتَقصُوا مِن أَهله، وجَعلوا الغِنَى مِثالاً للسَّطحيَّةِ والتَّفَاهَةِ، ولَكنَّهم يَبحثون عَن الأغنيَاء، ويُقدِّمون لَهم – سِرًّا- «المَعَاريض» التي يَستَجدون فِيهَا «الشَّرهَات».. وفِي المُقَابل يُظهرون فِي العَلَن حُبّهم لأَهل الزُّهد، ويَشتمونهم فِي السِّر..!
حَسنًا.. مَاذا بَقي؟!
بَقي التَّأكيد عَلَى أَنَّ أَلاعيب كُره المَال فِي العَلَن، والتَّهَافُت عَليه، والبَحث عَنه فِي السِّر، لَم يَعُد يُصدِّقها إلاَّ السُّذّج، فنَحنُ يَجب أَنْ نَكون وَاقعيِّين، فلَو كَان المَالُ عَيبًا لمَا تَهافت عَليه النَّاس.. ومَا أَجمَل صَديقي المِصري الذي دَاعَبْته ذَات يَوم قَائلاً لَه: (مَا فَائدة المَال؟ إنَّه وَسَخُ دُنيَا)، فقَال لِي: (أنتَ بَس قُل لِي بتِرمي وَسَخَك فِين، وسيب البَاقي عَليَّ)..!!