القرار الأول الذي يتخذه أي رئيس أمريكي قبل تنصيبه هو اختيار أعضاء حكومته. وبالنسبة للرئيس المنتخب دونالد ترامب الذي يتولى مهام منصبه رسمياً الجمعة المقبل، جاءت تشكيلة إدارته معبرة بوضوح عن توجهاته السياسية، وأفكاره الشخصية وخلفيته المهنية وانتمائه الطبقي.
الذين اتهموا ترامب بالعنصرية ومعاداة المرأة والأجانب والسود، والانحياز للأثرياء كواحد منهم، هؤلاء تقدّم لهم تشكيلة إدارته مبرراً جديداً وقوياً للشعور بالقلق. يمكن فهم هذا الإحساس من خلال رصد التركيبة الاقتصادية والاجتماعية لأعضاء هذه الإدارة ، مقارنة بحكومتي الرئيسين أوباما وبوش الابن في الولاية الأولى لهما.
تصدّت «وكالة بلومبرغ» الاقتصادية الإعلامية لهذه المهمة. وأثبتت دراسة أجرتها أن 80% من أعضاء إدارة ترامب من الرجال مقابل 65% لإدارة أوباما. كما أن 85% من وزراء الإدارة المقبلة من البيض مقابل 52% في إدارة أوباما و74% في إدارة بوش.
من الظواهر اللافتة أيضا في الإدارة المقبلة وجود الجنرالات السابقين بنسبة 10% ، بينما لم تتعد النسبة 4% في الإدارتين السابقتين. أما أكثر ما يسترعي الانتباه فهو توسّع ترامب في الاعتماد على رجال الأعمال وقادة الشركات العملاقة. ولذلك يفتقد 50% من أعضاء إدارته لأي خبرة حكومية سابقة. بينما ضمّت حكومة أوباما 87% من ذوى الخبرات السابقة. وارتفعت النسبة إلى 96% مع بوش.
وبما أن الرئيس الجديد هو رجل أعمال وملياردير ، فقد كان طبيعياً أن ينحاز إلى أقرانه لتمتلئ بهم إدارته. وتقدر «بلومبرغ» نسبة المليارديرات في الإدارة بنحو 10% مقابل صفر في الإدارتين السابقتين. أما الأقل ثراء، أي المليونيرات العاديين، داخل الإدارة الجديدة فعددهم عشرة على الأقل.
ويقدر البروفيسور فيجباي براشاد ، أستاذ الدراسات الدولية في جامعة هارتفورد بولاية كونيكتيكت، حجم ثروات نصف أعضاء إدارة ترامب بنحو 14.5 مليار دولار وهو رقم يزيد 30 مرة على ثروات كل أعضاء إدارة بوش.
على رأس قائمة المليارديرات في الإدارة يتربع ويلبر روس وزير التجارة الملقب بملك التفليسات ، وثروته 2.9 مليار دولار، جمعها من إعادة هيكلة الشركات المتعثرة. وسيكون مساعده مليارديراً آخر يفوقه ثراء، هو تود ريكتس الوريث لإمبراطورية مالية قيمتها 5.3 مليار دولار. الوزيرة التالية في نادي الأثرياء هي سيدة الأعمال ليندا مكماهون التي ستتولى ملف الأعمال التجارية الصغيرة، وقيمة ثروتها 1.35 مليار دولار.
وهناك قائمة طويلة من رجال الأعمال الآخرين في الحكومة، منهم على سبيل المثال وزير الخارجية، الرئيس السابق لأكسون البترولية وثروته 385 مليون دولار. ووزير الخزانة، وهو من قادة «غولدمان ساتش». أما رئيس هذه المجموعة المالية العملاقة فقد تولى منصب رئيس المكتب الاقتصادي الوطني. ويتولى المدير السابق لمطاعم كنتاكي منصب وزير العمل.
بجانب هؤلاء، هناك فريق ضخم من المستشارين ورؤساء الإدارات الحكومية الجدد، وهم من أقطاب «وول ستريت» التي هاجمها ترامب بعنف خلال الانتخابات. من هؤلاء مديرو شركات «بيبسي»، و«تسيلا»، و«أوبر». ورئيس «شركة بلاكستون للأسهم» واستثماراتها 9.9 مليار دولار، وهو يقود ويمثّل مجموعة من رؤساء شركات عملاقة منها «وولمارت»، و«آي بي إم»، و«ديزني»، و«جنرال موتورز»، و«جيه بي مورغان»، و«شاس»، و«بلاك روك».
وإذا كانت صحيفة «واشنطن بوست» قد عبّرت عن قلقها إزاء التوجهات اليمينية المتشددة لبعض أعضاء الإدارة وكبار مساعدي الرئيس، فإن المواطن العادي يبدو مهموماً أكثر بمصالحه الاقتصادية التي يبحث عمن يعبّر عنها ويرعاها داخل الإدارة. وبناء على تحليل الخلفيات الاجتماعية والاقتصادية لأعضاء الحكومة يرى براشاد أن الممثلين الحقيقيين للمواطن العادي لم يحصلوا سوى على الفتات من المناصب.
ومن الطبيعي أن يزيد هذا الوضع من قلق «الأمريكيين المنسيين»، وهو التعبير الذي استخدمه ترامب خلال الحملة الانتخابية لمخاطبة واستمالة الطبقة العاملة. نجح ترامب بفضل أصوات هذه الطبقة بعد أن وعدها بأن ينصفها من تجاهل وظلم السياسيين التقليديين المتحالفين مع «وول ستريت». ويبدو أنه نسى هو أيضاً هؤلاء المنسيين.