الغارة الجويّة التي شنتها امس إسرائيل على مطار المزّة العسكري في دمشق تندرج مثل الكثير من الغارات المماثلة خلال أعوام خلت عقب اندلاع الحريق السوري بعد العام 2011 ضمن توصيف ما يسمّيه إعلام النظام السوري “دعم المجموعات الإرهابية”. بينما تؤكد معطيات متعددة المصدر انها استهدفت شحنات اسلحة مرسلة الى “حزب الله”. طبعا المرسل هو إيران. وآخر الغارات قبل الغارة الجديدة كانت في 30 تشرين الثاني الماضي واستهدفت الطريق الرئيسي بين دمشق والحدود اللبنانية.
بالطبع، لا أحد يجهل ان الجسر الجوي العسكري الذي يصل طهران بالعاصمة السورية هو الانشط لدعم رئيس النظام السوري بشار الاسد. ولم ينل هذا الجسر أي أذى على يد إسرائيل أو سواها بدليل فاعليته خلال معارك سوريا على اختلافها وآخرها في حلب. ما يعني أن غارات إسرائيل تتحرّك فقط إذا ما اتجهت حمولة الجسر الايراني نحو لبنان. وهنا يبقى السؤال الدائم عما تريده الجمهورية الاسلامية من وراء تعزيز قدرات “حزب الله” على الساحة اللبنانية فوق تلك القدرات التي راكمها الحزب في لبنان على امتداد عقود؟
في معلومات صحافية ان الحزب أعاد بعد معركة حلب التي أحرز فيها الحلف الذي تقوده موسكو إنتصارا ساحقا، بضعة آلاف من عناصره وسط تكهنات بان الامر يتصل بتعزيز وجود الحزب على الجبهات بين لبنان وسوريا من جهة، وبينهما وبين إسرائيل من جهة أخرى، ما يعيد توجيه الانظار الى حدود لبنان الجنوبية. وتأتي هذه التكهنات بعد تراجع المواجهات الواسعة في سوريا، ما سمح لروسيا بأن تعلن عن خفض وجودها العسكري قبل أيام من مؤتمر أستانا السوري في 23 من الشهر الجاري. فهل هناك ما يدعم هذه التكهنات التي تناقض واقعا مستمرا منذ العام 2006 حيث وقعت أطول الحروب بين إسرائيل والحزب وانتهت الى القرار الدولي الرقم 1701؟
ليس في المشهد الدولي الذي يتكوّن حاليا ما يعزّز اتجاهات الهدوء وتاليا السلام في الشرق الاوسط. وتبدو قراءة طهران للمرحلة المقبلة في واشنطن بعد دخول الرئيس الاميركي المنتخب دونالد ترامب بعد أيام الى البيت الابيض أشبه بالنعامة التي تدفن رأسها في الرمال. وهذا ما ظهر في اختصار الاعلام الايراني شهادة وزير الدفاع الاميركي الجديد الجنرال ماتيس في الكونغرس بعبارة “على الولايات المتحدة الايفاء بالتزامها تجاه الاتفاق النووي مع إيران رغم ثغراته”، واختصار شهادة المدير الجديد لوكالة الاستخبارات المركزية الاميركية مايك بومبيو بعبارة أنه سيغيّر موقفه السابق المعارض للإتفاق النووي مع إيران. أما ما قاله ماتيس حول وجوب التطرّق الى انتهاكات إيران خصوصا في “برنامجها للصواريخ الباليستية”، وما قاله بومبيو عن أن “سوريا دولة فاشلة” وأن إيران “دولة قيادية في رعاية الارهاب”، فلم يسمع به إعلام إيران.
ما جرى في مطار المزّة أول الغيث في مرحلة جديدة من “الحوار” بين تل أبيب وطهران.