غير مصنف

في مصر.. صرخات الثوار أقوى من أصوات الشعراء

على الرغم من الحالة الثورية غير المسبوقة التي تعيشها مصر، فإن غياب الأصوات الشعرية الكبرى -التي لطالما عبرت عن المصريين في نضالهم الممتد عبر تاريخهم ضد أنظمة فاسدة- أثار أسئلة كثيرة حول أسباب هذا الغياب، وهل هو تأييد لما يجري في مصر من قمع وقتل، أم أن الشعراء باتوا يحتمون من قمع النظام بالصمت تارة وبالتغريد في السر تارات أخرى؟

ويبدو لافتاً أن ما احتفى به المصريون من قصائد لشعراء كبار مثل أمل دنقل وصلاح عبد الصبور وآخرين، قد ولد من رحم زمن كانت تنعم فيه التيارات اليسارية المعارضة بمساحة أكبر، ما يجعل عدم ظهور قصائد مماثلة في هذه الفترة أمراً أكثر إثارة للجدل.

ففي حين لا تزال قصائد مثل “لا تصالح” لأمل دنقل تطل من الذاكرة لتكشف عن “أشياء لا تباع ولا تشترى”، وعن رفض مصالحة “أعداء استبدلوا بأعيننا جوهرة”، فإن أعين شعراء معاصرين لم ترصد حتى الآن غثاً أو سميناً، ما جعل نقاداً يصفونها بأنها “عيون لا ترى”.

– أنصاف موهوبين

الناقد الأدبي الدكتور صلاح فضل يرى أن “الشعر لا يأتي كرد فعل على الأحداث، بل يحتاج فترة اختزان وتأمل، وإلا كان شعراً مباشراً”، مشيراً إلى أن “الأشكال الشعرية في مأزق حالياً، خاصة أن الشعراء الشباب تركوا شعر التفعيلة وذهبوا لقصيدة النثر التي لا تزال لا تلقى ترحيباً واسعاً من المتلقي؛ ما قطع الخيط الواصل بين الشعر والجمهور”.

وفي حديثه لـ “الخليج أونلاين”، وصف فضل الوضع الراهن بـ”مأزق لن يتجاوزه سوى الشعراء الذين ما زالوا يكتبون التفعيلة”، مؤكداً أن العامل الحاسم في ظهور قصائد معبرة عن الفترة الراهنة هو “تلك المواهب التي تفرض نفسها، وتلفت انتباه القراء ويحتفون بها”.

ولفت الناقد الأدبي إلى أن “من يغص بهم واقع الشعر المصري من أنصاف الموهوبين ليست لديهم القدرة على هذا الاختراق”.

– تجريف متعمد

أما الناقد الأدبي الدكتور محمد عبد الباسط، فقد اعتبر أن غياب الأصوات الشعرية الكبرى، وانفصالها عن الأحداث، يرجع “للتجريف المتعمد الذي قام به نظام حسني مبارك ضد المؤسسات الثقافية وغيرها، وهو ما استدعى ثورة للتغيير”.

وأوضح عيد في حديثه لـ”الخليج أونلاين” أن “الفنون لا تعبر عن الثورات بشكل لحظي، بل تحتاج لمزيد من الوقت حتى تتبلور ملامح التجربة وترسو الثورة بموجاتها المتتابعة على مرفأ آمن يمكن من خلاله ترميز الأحداث بشكل فني”.

واستدل على قوله بما حدث في ثورة 1919 التي كتب بعدها توفيق الحكيم “عودة الروح” سنة 1928، وكتب نجيب محفوظ “الثلاثية” التي صدرت طبعتها الأولى 1949.

وأشار عبد الباسط إلى أن “القصيدة قبل ثورة يناير 2011، كانت ذاتية تتناول تفاصيل الحياة اليومية للشعراء ولم تتوجه في عمومها للجماهير، وهو ما جعل دوائر الشعر مغلقة عن القارئ”.

– شعراء كافرون

أما الشاعر اليساري وعضو اتحاد الكتاب، رأفت السنوسي، فعزا غياب الأصوات الشعرية عن المشهد السياسي الراهن إلى “فقد الشعراء الوعي بدورهم التاريخي، وتنازلهم عن أن يكونوا ضميراً للأمة وللوطن”.

وأشار السنوسي، في حديثه لـ”الخليج أونلاين”، إلى أن “الشعراء المصريين باتوا يشعرون وكأنهم عالة على المجتمع، وأقزام لا يشعر بهم أو يقرأ لهم أحد”.

وأرجع السنوسي هذا الإحساس إلى “ما رضي به الشعراء من الخوف تارة، وتغليب المصالح تارة أخرى ليصبحوا جوقة الحاكم بعد أن كفروا بما يقرؤون وما يكتبون، وأصبحوا لا يشعرون بجدوى لدورهم”.

وأكد الشاعر اليساري أن المواقف تحتاج إلى الرجولة والمبادئ قبل الإبداع، وأن الشعراء الذين عبروا في الماضي عن مواقفهم بشدة كانوا رجالاً قبل أن يكونوا مبدعين”.

وأبدى السنوسي استياءه من “خضوع مثقفين مصريين للآلة الإعلامية المنحازة للسلطة على حساب المواطن والشعب، وهو ما تسبب في تدني المستوى الثقافي للمثقف المصري، ما يجعله غير قادر على قراءة الأحداث وفهم تحركات الشعوب لانتزاع سيادتها وكلمتها من الطغاة”.

المصدر : الخليج أون لاين

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى