نون والقلم

لماذا تتوجس إثيوبيا من مصر ؟

استكمالاً لحديث العلاقات المصرية الإثيوبية، هناك تساؤلات مشروعة على رأسها؛ إلى متى تستمر النخبة الإثيوبية داخل دوائر الحكم الأكثر عمقاً والمنوط بها الحفاظ على أمن وسلامة الدولة الإثيوبية في تعليق مشاكلها وإخفاقاتها على مصر !؟ تتهمها سابقاً ودون أي دليل بأنها أعاقت طويلاً جهود الإثيوبيين لتنمية بلادهم، ووقفت حجر عثرة في وجه كل مشروع أثيوبي يستهدف الاستفادة من مياه النيل الأزرق، وكثيراً ما تدس أنفها في الشأن الداخلي.

تتهمها الآن وبدون أي دليل بأنها المحرك الأول للاضطرابات الواسعة التي جرت على مدى الشهور الأربعة الأخيرة في مناطق قبائل الأورومو (أكبر العرقيات عدداً وملكية لأراضي إثيوبيا لأن الأراضي في إثيوبيا تملكها القبائل وليس الدولة طبقاً لأعراف قديمة لا تزال سارية حتى اليوم، والتي تزحف إلى نطاق العاصمة أديس أبابا، وأدت إلى صدام عنيف مع الشرطة والجيش سقط فيه العشرات من القتلى والجرحى.

مع الأسف لم تفلح جهود القاهرة في تبديد هذه الهواجس رغم تأكيدات مصر العلنية بأنها تلتزم سياسة صارمة تمنعها من التدخل في الشؤون الداخلية للدول الإفريقية جميعاً وأولها إثيوبيا، وأرسلت وزير خارجيتها سامح شكري مبعوثاً خاصاً من الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى رئيس الوزراء الإثيوبي، يؤكد له موقف القاهرة الثابت من هذه القضية واستعدادها لمناقشة أي أدلة تكون في حوزة أديس أبابا تؤكد هذه الشبهات، وتمسكها بالحرص الكامل على تعزيز علاقات الثقة المتبادلة بين البلدين.

ربما يكون من الصعب أن نعرف على وجه اليقين، لماذا تصر أديس أبابا ونخبتها الحاكمة على هذه الهواجس القديمة التي ربما يكون مصدرها الأصيل إحساس الحكم في إثيوبيا بأنه لم ينجح بعد في تحقيق الاندماج الكافي بين عرقياته المتعددة التي تصل إلى حدود 80 عرقاً يتكلمون أكثر من 88 لغة!

أكبرها قبائل الأورومو التي تشكل 35% من مجموع سكان إثيوبيا ويسكنون الجزء الأكبر من مساحتها وتتمدد مناطقهم إلى حدود العاصمة أديس أبابا، يليهم قبائل الأمهرا الذين يشكلون 27% من أعداد السكان، ثم الأوجادين من أصول صومالية الذين يشكلون 6.3%، يليهم سكان إقليم التيجراي بنسبة 6.1% الذين تتشكل منهم النخبة الحاكمة لإثيوبيا ويتقلدون معظم مناصب الجيش والشرطة.

فضلاً عن المشكلات الجديدة التي تواجه إثيوبيا الآن بسبب مشروعات التنمية المستحدثة التي تمضي على قدم وساق وتحقق نسبة نمو غير مسبوق تواصلت على امتداد السنوات الأربع الأخيرة، تكاد تصل إلى حدود 9% بعد أن نجح الحكم الإثيوبي الراهن في أن يقدم إثيوبيا للعالم في صورة الدولة الأشد فقراً التي تملك إمكانات كبيرة لتغيير أحوال سكانها، وتنتظر العون المالي الدولي الذي يجعلها الآن من أوائل الدول الأفريقية التي تستقبل المعونات الدولية بمعدل يتجاوز 3.5 مليارات دولار في العام!

لماذا إذاً تسيطر هذه الهواجس القديمة على رؤوس القائمين على حكم إثيوبيا رغم الإنجازات الكبيرة التي يتم تحقيقها هناك، والتي يمكن أن تقضي على هذه المشكلات على نحو متدرج؟! ولماذا تتهم نخبة الحكم الإثيوبي على وجه الخصوص مصر دائماً، وتجعل منها سبباً لكل إخفاقات إثيوبيا!

مع الأسف تزيد هذه الاتهامات كلما زادت ضغوط المجتمع الدولي على الحكم الإثيوبي رغم أن العلاقات المصرية الإثيوبية قديمة قدم التاريخ، يعززها تبادل تجاري بين البلدين لم ينقطع منذ عهود الفراعنة، وزاد من وشائج الاتصال العلاقات التاريخية بين الكنيسة القبطية والكنسية الأرثوذوكسية الإثيوبية، وحتى في فترة التناقض الأساسية بين حكم الإمبراطور هيلا سلاسي والزعيم عبدالناصر توصل الاثنان إلى صيغة عبقرية تلزم كافة الدول الإفريقية احترام الحدود التي تم تخطيطها في إفريقيا في عهود الاستعمار درءاً لمخاطر حروب أهلية كان يمكن أن تدمر إفريقيا.

علاقات مصر وإثيوبيا شهدت بعض التوتر خلال فترة حكم الرئيس السادات، لكن سرعان ما تم تصحيح هذه العلاقات مع بداية حكم الرئيس مبارك بسبب تقرير مهم كتبه د. بطرس غالي عندما كان وزيراً للدولة للشؤون الإفريقية، اقترح فيه على الرئيس مبارك استبدال علاقات المواجهة مع إثيوبيا بعلاقات الحوار وتعزيز المصالح المشتركة، وسانده في ذلك تقرير آخر للمهندس محمود أبو زيد وزير الري الأسبق والخبير المائي العالمي عن فرص الاتفاق على إطار حواري لدول حوض النيل يعزز مصالحها المشتركة.

خلال هذه الفترة تحسن مجمل العلاقات المصرية الإثيوبية إلى أن وقعت محاولة اغتيال الرئيس مبارك في أديس أبابا (26 يونيو 1995) ساعة وصوله إلي المطار لحضور القمة الإفريقية، انقطع بعدها مبارك عن الذهاب إلي أديس أبابا لأسباب تتعلق بأمنه الشخصي، لكن العلاقات المصرية الإثيوبية بقيت على حالها إلى أن جاء الرئيس عبدالفتاح السيسي إلى الحكم عام 2014.

و[bctt tweet=”يُحمد للرئيس السيسي – كما سبق التوضيح – أنه تجاوز بسرعة استثمار إثيوبيا لفترة الفوضى غير البناءة التي مرت بمصر” via=”no”] واستغرقت أربعة أعوام بعد سقوط حكم مبارك، سارعت خلالها إثيوبيا إلى الإعلان عن بدء العمل في سد النهضة مستثمرة غياب الدولة المصرية وانشغالها في مشاكلها الداخلية!

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى