نَحنُ نُهْمِل دِرَاسة عِلم النَّفس، لأنَّ الصّورَة الذِّهنيَّة عَن هَذا العِلْم؛ ارتَبَطَت بالأمرَاض و«الخُزعبَلات»، ولَكن لَو تَدبَّرنَا هَذا العِلْم، لوَجدنَا أَنَّه يُفسِّر الكَثير مِن تَصرُّفَاتِنَا، ويُبيِّن جَوانِب القصُور فِيهَا..!
خُذ مَثلًا « التَّرابُط الشَّرْطِي »: وهو أَنْ تَربُط شَيئًا بشَيءٍ آخَر، وخَيرُ مَن طَبَّق هَذه النَّظريّة؛ أُستَاذ عِلْم النَّفس الكَبير «بافلوف»، حَيثُ جَعَلَ الكَلب يَنطلَق لأكَل الطَّعَام؛ كُلَّما «رَنّ الجَرَس»، فقَد بَرْمَج ذَاكِرة الكَلَب؛ عَلى أَنَّ سَماع صَوت الجَرس يَعني: وَقت تَناول الطَّعَام، وهَذا هو «التَّرَابُط الشَّرْطِي»..!
والسُّؤَال هُنَا: هَل هُنَاك أُنَاس يُفكِّرون بعَقليّة الكَلب؟، أَعْنِي يَربطون شَيئًا بشَيءٍ آخَر؟، الجَوَاب «نَعم»، وأَقولها بكُلِّ ثِقَة، ومَن يُشكِّك فعَليه التَّوجُّه إلَى القَضَاء.. وهَذه أَربَعة أَمثِلَة أَطرحهَا بَين أَعينكم، لتُزيل شكُوك المُشكِّكين، وتُبطل أَدلّة المُعَارضين:
أَوّلًا: تَقول لشَاب نَحيل: «تَعَالَ نَمشي سَويًّا»، فيَقول: «وَزني خَفيف، لَا أَحتَاج المَشي، فهو لَكَ ولأمثَالك مِن الدُّبَبَة والمربرَبين».. لذَلك سَجّل عِندك «وَاحِد تَرَابُط شَرْطِي»، وهو أَنَّ الرِّيَاضَة لأَصحَاب الأَجسَام المُترهِّلَة..!
ثَانيًا: تَقول للطّفل الذي يرمي العلب الفَارِغَة: «ضَعهَا فِي سَلّة المُهملات»، فيَقول: «هَذه لَيست مُهمَّتي، بَل مُهمّة الشَّغَّالَات»، وهَذا مَا جَعَل بَعض الأُسَر الخَليجيَّة، تَترك زَبَائلها ومُخلَّفاتها في بَعض الحَدَائق الأوروبيَّة.. لِذَا «سَجّل عِندك ثَاني تَرَابُط شَرْطِي»، وهو أَنَّ التَّنظيف مِن مُهمّة الشّغَّالات والشّغَّالين..!
ثَالثًا: يَراني أَحدُهم مُستيقظًا في الصَّبَاح البَاكر فيَقول: «لِمَاذَا تَستَيقظ وأنتَ لَا عَمَل ولَا مَدارس لَديك»؟، هُنَا أَيضًا «سَجّل عِندك ثَالث تَرابُط شَرْطِي»، وهو أَنَّ الاستيقَاظ في الصَّبَاح البَاكِر؛ للطُّلَّاب والمُوظَّفين فَقَط..!
رَابِعَا وأَخيرًا: حِين يَرَاني أَحدُهم اقرَأ، يَقول: «يا الله، ذَكَّرتني بأيَّام الجَامِعَة، عِندَما كُنتُ طَالِبًا».. وهُنَا «سَجّل عِندك رَابع تَرَابُط شَرْطِي»، وهو أَنَّ القِرَاءة للطُّلَّاب فَقط، وإذَا تَخرَّجوا هَجروهَا..!
حَسنًا.. مَاذا بَقي؟!
بَقي أَنْ نَقول: أَيُّها النَّاس، أَنتُم أَحرَار أَنْ تَكونوا ضَحيَّة للتَّرَابُط الشَّرْطِي، أَمَّا أَنَا فقَد فَككتُ كُلّ أَنوَاع هَذا التَّرَابُط، كَما فَكَّ أَهل الكويت ارتبَاط الدِّينَار بالدُّولَار..!!