أدلى الرئيس الأميركي المنتخب ترامب بالكثير من التصريحات حول الشؤون الخارجية ذات الصلة بالولايات المتحدة وفتح العديد من جبهات المواجهة واستفز أكثر من دولة وهو لمّا يتسلم مهام منصبه.
إلا أن من الصعب تكوين صورة عن السياسة الخارجية للولايات المتحدة في عهده من خلال تصريحاته هذه، فالبعض منها لا يمكن أخذه على محمل الجد وقد لا يحظى بدعم الحزب الجمهوري الذي أصبح مسيطراً على الكونغرس بمجلسيه.
فإذا أخذنا جميع ما صرح به منذ بدأ حملته الانتخابية بنظر الاعتبار سنجد أمامنا في العام 2017 عالماً تقوده الولايات المتحدة نحو الفوضى، حيث تصبح المنظمات الدولية وعلى رأسها الأمم المتحدة هياكل فارغة وتغدو المعاهدات والاتفاقيات التي حفظت السلم والأمن على مدى العقود الماضية غير ذات قيمة.
فهو لا يرى ضيراً في أن تصبح كوريا الجنوبية واليابان دولتان نوويتان متناسياً أن [bctt tweet=”هناك اتفاقيات دولية ساهمت الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون في صياغتها تتعلق بتحريم انتشار الأسلحة النووية” via=”no”] وإخضاع جميع الأنشطة النووية لدول العالم لإشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية التي تأسست عام 1968.
ويبدو في ضوء ذلك أن مستشاري الرئيس المنتخب سيعانون الكثير من المتاعب لتدارك تداعيات تصريحاته المنفلتة وتصويب اللغة غير المقيدة التي تأتي بها، فهو شديد الاعتداد بنفسه وبما هو مقتنع به إلى درجة كبيرة. فقد كان رده عن سؤال وجهته إليه المحطة التلفزيونية الإخبارية الأميركية MSNBC في مارس المنصرم حول من هم مستشاروه؟
«أنا أعرف ما أفعله وأنا أستمع إلى الكثير من الناس، وأنا أتحدث إلى الكثير من الناس، وفي الوقت المناسب سأقول لك من هم الناس، إلا أن مستشاري الرئيسي هو (أنا) فلدي غريزة جيدة حول الشؤون الخارجية».
أخطر هذه التصريحات هو ما ذهب إليه في الثاني والعشرين من ديسمبر الجاري في تغريدته على تويتر من أن على أميركا أن «تعزز وتوسع بشكل كبير قدراتها النووية حتى يحين الوقت الذي يثوب فيه العالم إلى رشده بشأن الأسلحة النووية».
وهو تهديد أصاب دعاة تحريم الأسلحة النووية بصدمة فهو يذكرنا بحقبة الحرب الباردة وسباق التسلح. وقد فوجئت الأوساط الأميركية وأصيبت بالدهشة إذ ليس من المألوف أن تصاغ السياسة النووية الأميركية المستقبلية في تويتر.
تسبب هذا التهديد بقدر كبير من البلبلة في الأوساط السياسية الأميركية إذ ليس هناك من حاجة لزيادة الترسانة النووية لتعزيز الأمن القومي الأميركي، فما خلصت إليه المراجعة المفصلة والشاملة للقدرات النووية الأميركية التي أجراها البيت الأبيض مع قادة البنتاغون عام 2013 تبين أن لدى الولايات المتحدة فائض يعادل ثلث مقدار الأسلحة الاستراتيجية الضرورية لضمان الردع النووي.
هذه التغريدة، أو التهديد، جاءت بعد أن قرر الرئيس الروسي بوتين تعزيز القوة الضاربة النووية لروسيا وتمكينها من اختراق الدروع المضادة للصواريخ كتلك التي تنوي واشنطن نشرها في شرق أوروبا. وهو لم يوجه بشكل واضح وصريح ضد أحد إلا أنه يأتي في سياق تنامي النفوذ الصيني والروسي خلال السنوات الثماني من حقبة الرئيس أوباما الذي اتسمت سياساته الخارجية بالانكفاء والتراجع ويأتي كذلك في سياق تصاعد دور بعض القوى الإقليمية المشاكسة.
التهديد بشكل عام موجه إلى الدول التي تسعى للحصول على السلاح النووي وإلى الدول التي تسعى للتفوق على الولايات المتحدة عسكرياً وبشكل خاص روسيا التي سبق لترامب أن انهال بالثناء على رئيسها.
فالرئيس المنتخب على دراية بأن الأسلحة النووية ليس لها دور في النزاعات الحديثة، فالولايات المتحدة لم تحتاجها لاحتلال أفغانستان والعراق، كما أنها غير مجدية في الحرب التي يعتزم تصعيدها ضد الإرهاب.
هناك بعض المخاوف من أن يطلق الرئيس المنتخب بهذا التهديد سباقاً خطيراً ومكلفاً للتسلح النووي ضارباً بعرض الحائط الجهود التي بذلتها الإدارات الأميركية المتعاقبة من الحزبين على مدى خمس وثلاثين سنة من المباحثات الشاقة للتوصل إلى اتفاق مع الاتحاد السوفييتي ثم مع روسيا لتقليص عدد الرؤوس النووية في جميع أنحاء العالم ولنزع فتيل المنافسة النووية بين القوى العظمى التي تحققت في اتفاقية ستارت 2 عام 2010.
والتي تم بموجبها التوقف عن إنتاج المزيد من الرؤوس النووية وتقليص عدد الموجود منها لدى الطرفين بمقدار الثلث مع تخفيض عدد قاذفات هذه الرؤوس في الأرض والبحر والجو والالتزام بذلك لمدة عشر سنوات وهي مدة الصلاحية القانونية للاتفاقية ما لم تستبدل باتفاقية أخرى ويجوز للطرفين تمديدها لخمس سنوات أخرى.
إلا أن هناك مخاوف أخرى تتجاوز ما ذكرناه إلى ما هو أسوأ وأخطر وهو إقدام الرئيس الأميركي على استخدام السلاح النووي ضد من اعتاد على تسميتهم بأعداء أميركا خاصة، وهو يمتلك سلطة التفرد باستخدام هذا السلاح بوصفه القائد الأعلى دون الحاجة إلى توصية مستشاريه أو انتظار قرار الكونغرس.
فقد لمح في أكثر من مناسبة خلال حملته الانتخابية إلى احتمال اتخاذ قرار كهذا. وفي حالة حدوث ذلك تتحول عقيدة الردع النووي بشكل كبير من التهديد باستخدامه إلى استخدامه فعلاً.