عام ميلادي جديد يستقبل كعادته باحتفالات في كثير من بلدان العالم بأعياد ميلاد مفعمة بالفرحة و تطلع لعام من السلام و الرخاء لكن على ما يبدوا « ما كلما يتمنى المرء يدركه » ، 2017م هو عام جديد ولكنه كغيره من سني الحياة ليس مستقلا عما قبله من الأحداث و لا عما بعده ، و [bctt tweet=”المؤشرات كلها تقول أننا سنكون بصدد عام ساخن أكثر من سخونة سلفه 2016 م .” via=”no”]
في الشهر الأول من هذا العام الجديد سيدخل ترامب الرئيس الأمريكي الجديد البيت الأبيض لمباشرة إدارة الشأن الأمريكي في عالم لازال يتسم بالقطبية الواحدة لصالح الولايات المتحدة الأمريكية و لكن في ظل منافسة حادة و محاولات جادة وقوية لإعادة صياغة النظام العالمي كنظام متعدد الأقطاب .
ليس بالغريب أن يتحدث ترامب بتلك الحدة عن الصين الشعبية فقد باتت منافسا جديا للولايات المتحدة وحلت بعدها مباشرة في سلم الناتج القومي الإجمالي وبفارق دون التريليون دولار وبات استمرار الولايات المتحدة في صدارة السلم مهدد أكثر من أي وقت مضى ، و استخدام لافت من قبل الصين لحقها في الإعتراض في مجلس الأمن « الفيتو » كدولة عظمى ، و مصادقة مجلس الشعب الصيني على اتفاق الإشتراك مع روسيا في حرب الإرهاب في مضيق باب المندب ، و تحرك عسكري صيني لمنطقة الشرق الأوسط و إلى المحيط الهندي ، و تبادل رسائل التهدُد و التوعُد بين أمريكا والصين فمن تلويح أمريكي بالخروج على سياسة الصين الواحدة إلى رد صيني بان الصين صخرة ستسقط على أقدام من يحاول زحزحتها .
عزم روسي عالي لمواجهة مهددات أمن روسيا القومي و حيوية بادية لاستعادة حضورها في النظام العالمي في ظل فارق كبير في الناتج القومي الإجمالي يصل إلى اكثر من 13 تريليون دولار يمثل إغراءً للولايات المتحدة لاتباع سياسات قمع ضد روسيا للحد من تطلعاتها العالمية قبل تمكنها من الوصول لمستوى يجعل المنافسة معها أمرا أكثر خطورة ، وما بين رسائل روسية بأنها لن تسمح للولايات المتحدة تهديد مصالحها في سوريا والشرق الأوسط و بين رسائل أمريكية أكثر حرفية ظاهرها التعاون مع روسيا في سبيل محاربة الإرهاب و باطنها إغراق روسيا أكثر و تركها تستنزف في سوريا كما استنزفت الولايات المتحدة من قبل .
نشر أمريكي لدرع صاروخي في أوروبا و نشر مئات القنابل النووية فيها أيضا ، و إعادة نشر صواريخ روسيه و انسحاب روسي من اتفاقية البلوتنيوم و توجيه رسمي بتطوير الأسلحة الروسية الفتاكة و بما فيها السلاح النووي ، وانسحاب روسي من محكمة الجنايات الدولية .
خروج بريطاني من الاتحاد الأوروبي و استعداد دول أوروبية أخرى للحاق بها وتنامي تيارات اليمين المتطرف في العديد من دول اوروبا بما فيها فرنسا و ألمانيا وهولندا ، و تهديدات إرهابية جدية و مقلقة تهدد منظومة القيم الأوروبية – وفي أبرز عواصمها – تنعكس في صورة سياسات أمنية متطرفة ، و تنافر بادي بين الدول الأوربية بخصوص السياسات الخارجية التي تتبناها دول أوروبية و تفرز تبعات سلبية ينظر إليها بعض آخر بأنها سببا في الأخطار التي تطال أوروبا والإرهاب في طليعة تلك الأخطار .
ارتفاع تهديدات الإرهاب بصورة عالية و مخاوف تركية وأوروبية و مثلها لدى العديد من دول الإقليم المحيطة بسوريا من إرتداد الإرهاب من سوريا إليها ، و تطورات خطيرة للتدخل في الشان السوري يدفع بتركيا للتزحزح باتجاه روسيا تحت ضغط تهديدات غير مسبوقة لها ، و اختناق سعودي وقطري و بريطاني و فرنسي بتبعات مشروع يتصدع في سوريا مع عدم إمكانية للتراجع عنه رغم كل توجساتها من التبعات الماحقة التي ستلحقها نتيجة تمسكها بهذا المشروع .
تململ للاتفاق النووي الإيراني و عقوبات أمريكية على إيران و توجه إيراني لزيادة الاستفادة من قدراتها النووية و مضاعفة تسلحها و مناوراتها و عزم على التحرك خارج حدودها لحماية أمنها القومي و رسائل سعودية خليجية بتصعيد المواجهة مع إيران في المنطقة ، و حضور بريطاني لافت في قمة دول الخليج ، و اجتماع لما يعرف بالرباعية في الرياض يمثل إعادة رص للصف السعودي الأمريكي في مواجهة إيران بالدرجة الأولى .
تراجع في الموقف الأمريكي تجاه الملف اليمني و تصريح لأول مرة بان « لا حل في اليمن إلا بضمان أمن السعودية » ، و رسائل إيرانية مفزعة للسعودية بسعي إيراني لامتلاك قواعد عسكرية في اليمن وسوريا قوبلت برسائل سعودية تصعيدية بخصوص اليمن وبلسان الملك السعودي هذه المرة ، وتسابق إماراتي سعودي أمريكي لتّواجد في الجزر اليمنية و تواجد كبير للقطع البحرية العسكرية التابعة لهذه الدول قبالة السواحل اليمنية ، و تسابق للعديد من الدول لاقامة قواعد عسكرية لها في دول القرن الإفريقي .
وقف معونات النفط السعودي للقاهرة و زيارات مسئولين سعوديين لسد النهظة في إثيوبيا و لدول منبع النيل في رسائل تهديد واضحة لمصر في أمنها المائي و حديث مصري شبه رسمي باستهداف قطر لأمنها وتنامي في العمليات الإرهابية التي تضرب مصر و تلويحات مصرية بالانسحاب من التحالف في اليمن و ارتباك دبلوماسي مصري واضح تجاه التعامل مع ملفات المنطقة ، و زيارة الملك السعودي لكل عواصم دول الخليج باستثناء مسقط كتعبير عن عدم الرضى السعودي عن سياسات سلطنة عمان تجاه الملفات ذات العلاقة بالصراع السعودي الإيراني في المنطقة .
فوز العميد عون برئاسة الجمهورية اللبنانية بعد أزمة ذات علاقة بأبعاد إقليمية بدرجة رئيسية انتهت لغير صالح طرف السعودية و بداية مضايقات سعودية لرئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري على ذات الخلفية ومحاولة لإعادة إثارت مسئلة سلاح حزب الله في لبنان .
حرب ضد مايسمى الدولة الإسلامية في الموصل و تهديد لمشاريع إقليمية و دولية على خلفيتها و مخاوف جمة تصاحب الحرب على الإرهاب في العراق و تشنجات سعودية عراقية و تركية عراقية كذلك .
استعادة سيطرة النظام السوري على حلب و صلب عوده في جغرافيته بقدر غير مسبوق منذ التدخل العسكري الروسي في سوريا ، و قرار أمريكي بالسماح لبيع الأسلحة النوعية لحلفاء الولايات المتحدة في سوريا ، وقانون امريكي بتزويد المعارضة السورية بمضادات جوية ، وعزم سوري و روسي على محاربة الإرهاب في سوريا و إعداد حثيث للمعركة القادمة بعد حلب ، و اتفاق ثلاثي بالحل السياسي في سوريا تجتمع فيه تركيا مع روسيا وإيران لأول مرة و دخول عسكري تركي مباشر في سوريا ضد جماعات إرهابية تشعر بتهديدها لأمنها – في تضاد مع المشروع الذي تتبناه العديد من الدول في سوريا والتي كانت هي نفسها أحد أهم هذه الدول – و تدشين لردود أفعال المتضررين من التقارب الروسي التركي باغتيال السفير الروسي في تركيا .
اختراق للحال الذي ساد أمميا على مدى أكثر من ثلاث عقود تجاه الكيان الصهيوني بتبني مجلس الأمن لقرار إدانة الاستيطان الإسرائيلي و ما سيترتب على ذلك من فتح لجبهات مواجهة دبلوماسية وقانونية ستكون شديدة السخونة سيكون لها تفاعلات إقليمية و عالمية ، و ردود فعال حادة من الرئيس الأمريكي ترامب و من الكيان الصهيوني تجاه صدور هذا القرار ذهبت بعيدا وتلوح بالعمل على تغيير في البنية الأممية ما يعرّض الأمن العالمي لتهديدات غاية في الخطورة .
ما سبق هو جردة لأحداث و مواقف مختارة شهدها العام المنقضي 2016 م وهي بطبيعتها تمثل مؤشرات قوية يمكن من خلالها القطع بسخونة أشد للمشهد في العام الجديد 2017 م ، فمن هذه الأحداث و المواقف ستنطلق العديد من المواجهات التي ستخرج في صورة سياسات و أحداث و مواقف في مختلف الملفات الساخنة عالميا و أوربيا و إقليميا و دوليا التي لها علاقة بالصراع على الهيمنة و النفوذ في النظام العالمي و النظام الإقليمي و النظام العربي .
هذه الأحداث و المواقف التي تمت في العام 2016م يمكن القول بأنها أحداث و مواقف « مستدامة » فآثارها لا تقف عند وقوعها وإنما هي أحداث و مواقف يكون لها تداعيات و تبعات و تفاقمات ستزيد من سخونة المشهد في العالم العربي وفي منطقة الشرق الأوسط و في العالم ككل ، و سيترتب عليها مزيد من التشنجات و التجاذبات و الصراعات التي سيكون نصيب العام 2017م منها أكبر من نصيب العام المنقضي و بمختلف صور تجسدها العسكرية و الأمنية و الاقتصادية و السياسية و الدبلوماسية و الاجتماعية والإنسانية ، وفي ظل غياب الأدوار الجادة الساعية للحلول الموضوعية و المنصفة في مختلف الملفات المحتدمة لن يكون العام 2017م إلا مسافة أخرى نقطعها باتجاه الاصتّدام الكبير القادم و هو الذي سيعيد صياغة كل الأنظمة الإنسانية التي باتت مضروبة بالكامل و سيدخلنا في عهد إنساني جديد سيكون متسم بالتوازن .
رئيس مركز الرصد الديمقراطي « اليمن »