يعتبر قريب جداً من قيادة حركة “حماس” الإسلامية الفلسطينية أن زيارة العمرة التي قام بها رئيس مكتبها السياسي خالد مشعل وزملاء له للمملكة العربية السعودية مؤشر جدي إلى أن العلاقة بين الاثنتين عادت بعد قطيعة بدأت عام 2007. والعودة لا تعني الدفء والحرارة والتعاون والتنسيق فلسطينياً أو إقليمياً، بل تعني جاهزيتهما للبحث في كل ما يمتِّن العلاقة ويطلق العمل المنسَّق لتحقيق الأهداف المشتركة. وهو يشير إلى أن الرياض رعت في العام المذكور اتفاق مصالحة بين “حماس” ورئيس السلطة الوطنية الفلسطينية محمود عباس قضى بتشكيل حكومة مشتركة وبتنفيذ خطوات تلغي الانقسام من الساحة الفلسطينية. ألّف عباس الحكومة وامتنع عن تنفيذ البنود الأخرى لاتفاق المصالحة، لكنه حمَّل “حماس” مسؤولية ذلك، ونجح في إقناع المسؤولين السعوديين بذلك، فانقطعت العلاقة. ويبدو أنها بدأت تعود الآن، وكانت زيارة العُمرة أولى بشائرها. أما العوامل التي فتحت باب العودة فكثيرة. إلاّ أن أبرزها اثنان. الأول انتقال الحكم في السعودية إلى الملك سلمان بن عبد العزيز بعد وفاة شقيقه العاهل السابق عبدالله. وهو يتمتع، في رأي “حماس”، ببعد النظر والحكمة والمعرفة والاطلاع، كما يمتلك الرغبة في إعادة وصل ما انقطع مع جهات عربية وإقليمية للنجاح في مواجهة التحديات المزمنة وأولها إسرائيل، والتحديات التي خطرها كبير على المملكة والعالم العربي والإسلامي كبيراً، وفي مقدمها التحدّي الإيراني. وتجميع القوى العربية للمواجهة لا مفرّ منه في رأي القيادة السعودية الجديدة. ولا يعني ذلك، يلفت القريب جداً نفسه من “حماس”، أن هذه القيادة نقيض للحكم السابق، لكن للأشخاص طبائع تختلف. أما الأهداف فتبقى واحدة وخصوصاً أن الحكمين ينتميان إلى العائلة الحاكمة نفسها، وان تداول السلطة بينهما تمّ في إطار من التوافق واحترام الأعراف والمواثيق.
أما العامل الثاني فهو قرار قيادة “حماس” أن تكون على علاقة جيدة مع المملكة والدول في المنطقة بما فيها إيران، علماً أن التناقض حتّى العداء بين الاثنتين لا يحرج “حماس” لأن علاقتها مع طهران لم تمنعها من تأييد الموقف السعودي من أزمة سوريا وأحداث اليمن وغيرهما. والهدف الأول من ذلك هو خدمة قضية فلسطين التي تحتاج إلى جهود عربية وإسلامية وسنّية وشيعية ودولية. وهنا يشير القريب جداً نفسه إلى أن تحسُّن علاقة “الإخوان المسلمين” بعض الشيء مع السعودية في الأشهر الأخيرة ساعد في إعادة الوصل بينها وبين “حماس”. والسبب كان اقتناع “الإخوان” بأن العلاقة مع المملكة يجب ألا تكون على حساب علاقتها مع مصر السيسي وهي جيدة جداً، وبضرورة تحسين علاقتها مع مصر صاحبة الدور الفلسطيني الأول في العالم العربي. وقد يكون تجاوب السعودية مع مساعي قطر وغيرها لتحسين العلاقة مع “الإخوان” اقتناع المسؤولين الكبار فيها بأن مصر هي التي “خرّبت” اتفاق “السلطة” و”حماس” عام 2007. وينقل القريب جداً نفسه من “الإخوان” جملة عن رئيس جهاز المخابرات العامة المصرية أيام الرئيس حسني مبارك، عمر سليمان هي الآتية: “أن هذا الاتفاق لن يمشي”. وكانت بلاده يومها ممراً إلزامياً لكل شيء له علاقة بفلسطين.
إلى ذلك يتحدث قريب جداً من قيادة “حماس” عن بداية عودة علاقتها مع السعودية أخيراً، فيقول إن مشعل ورفاقاً له قدّموا طلب زيارة عمرة من قطر مكان إقامتهم. حصلوا على الموافقة وغادروا إلى مكة، وهناك التقوا ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان نصف ساعة، ثم التقوا الملك سلمان الذي كان هناك حوالى 20 دقيقة، فطلبوا منه الإفراج عن سبعة أو ثمانية “إخوان” معتقلين في المملكة لجمعهم تبرعات لـ”حماس”، فوقَّع “على الواقف” أمراً بإخلائهم. ثم عُقد اجتماع آخر مطوّل مع رئيس المخابرات السعودية. وتمّ الاتفاق على متابعة المباحثات في الدوحة مع الأمير وفي المملكة لاحقاً مع الملك ومسؤولين آخرين. ويؤكد القريب جداً نفسه أن مطالبةً بمسعى سعودي للإفراج عن “الإخوان” المحكومين بالإعدام في مصر وترحيلهم إلى المملكة، حيث لا نشاط للجماعة، قدمها مشعل. طبعاً لم يُبت هذا الطلب لأنه كبير ويقتضي محادثات معمّقة.
ماذا سهّل بداية عودة العلاقة بين الرياض و”الإخوان”؟ وماذا عن أوضاع المخيمات الفلسطينية في لبنان وخصوصاً بعد دخول أبرزها دوامة الاقتتال اليومي؟
نقلا عن صحيفة النهار اللبنانية