نون والقلم

عصر دبلوماسية الصفقات

عندما يكون رئيس الولايات المتحدة رجل أعمال، ووزير خارجيتها مديراً لشركة عملاقة بحجم أريكسون النفطية، يصبح الحديث عن عهد جديد في أسلوب إدارة العلاقات الأمريكية مع العالم أمراً طبيعياً. التوقّع الأكثر شيوعاً هو أن ترامب ووزير خارجيته ريكس تيليرسون اللذين يفتقدان لأي خبرة سياسية، سيجعلان من الدبلوماسية شيئاً أقرب إلى الصفقات التجارية باعتبارها العمل الوحيد الذي مارساه ويجيدانه.

وسيجدان في وظيفتهما الجديدة ميداناً رحباً لاستثمار وتوظيف مهاراتهما وخبراتهما في المساومة والضغط، والكر والفر، وموازنة حجم وفرص الربح، مع احتمالات ومخاطر الخسارة.

ومن الطبيعي أن تكون روسيا هي الشريك الأول الذي يتوجّه إليه ترامب لإبرام أولى وأهم صفقاته السياسية لأسباب ثلاثة أولها، أنها الغريم التقليدي لبلاده. وهناك العديد من القضايا المعلّقة بين البلدين تحتاج إلى تسوية عاجلة. السبب الثاني ، أن ترامب نفسه لا يخفي إعجابه بنظيره الروسي فلاديمير بوتين وحرصه على تطوير العلاقات الثنائية. ثالثاً ، يرتبط وزير خارجيته الجديد بصداقة قوية مع بوتين، ولأريكسون استثمارات ضخمة في روسيا.

السؤال المهم هو [bctt tweet=”ما نوع وطبيعة الصفقة أو الصفقات التي سيسعى ترامب إلى إبرامها مع بوتين؟” via=”no”]

يمكن تقسيم التحديات التي تمنع تقارب البلدين ، وفقاً لدرجه صعوبتها ، إلى ثلاث فئات هي: يسيرة، عسيرة، مستحيلة. الفئة الأخيرة تتعلّق بالأزمة الأوكرانية التي تعد الأكثر صعوبة على صعيد العلاقات الأمريكية – الروسية. وجه الاستحالة هو إمكانية موافقة بوتين على إعادة شبه جزيرة القرم التي انفصلت عن أوكرانيا وضمتها روسيا رسمياً.

للتغلب على هذا التحدي قدّمت صحيفة «فاينانشيال تايمز» البريطانية تصوراً عملياً لحل وسط ، هو أن تتوقّف واشنطن عن التنديد بضم القرم حتى لو لم تعترف رسمياً بهذا الإجراء. في المقابل توقف روسيا اعتداءاتها المباشرة أو من خلال الميليشيات التابعة لها في شرقي أوكرانيا وتمتنع عن ضم أراض أخرى.

بعد هذه البداية تبادر واشنطن برفع العقوبات عن روسيا ، ونبذ أي خطط لضم أوكرانيا أو جورجيا لحلف الناتو. ويجمّد الحلف حشد قواته في جمهوريات البلطيق الثلاث لاتفيا وإستونيا وليتوانيا. من جانبها توقف موسكو ضغوطها وتهديداتها لهذه الجمهوريات التي كانت ضمن الاتحاد السوفييتي سابقاً. وبهذا يكون ملف أوكرانيا قد أُغلق وفقاً للصفقة التي تقترحها الصحيفة وتبدو عملية بالفعل.

التحديات السهلة نسبياً ، أهمها الملف السوري ، وقد أصبح احتمال التسوية بين روسيا وأمريكا بشأنه مرجحاً على ضوء تخلي ترامب عن شرط رحيل الأسد الذي كان أوباما يتمسك به حتى وإن لم يسع جدياً إلى تنفيذه. التحدي الصعب سيكون حول إيران. الإدارة الأمريكية الجديدة المملوءة بالصقور تعارض الاتفاق النووي ، ولكن ليس من السهل التراجع عنه دون صدام مع شركاء هذا الاتفاق ، وهم روسيا وبريطانيا وفرنسا والصين وألمانيا. لذلك فمن المتوقع أن تسعى الإدارة إلى تشديد عمليات التفتيش على المنشآت الإيرانية أو حتى استفزاز إيران لدفعها إلى تجميد أو خرق الاتفاق. وقد تفرض المزيد من العقوبات عليها.

ولن تكون موسكو بعيدة عن كل ذلك على ضوء علاقاتها المتنامية والوثيقة مع طهران. المساومة التي سيلجأ إليها ترامب هنا هي استثمار تقاربه مع بوتين لإقناعه بالضغط على إيران لتقديم تنازلات جديدة وأيضاً للحد من تدخلاتها في الخليج والشرق الأوسط. ولن يكون صعباً على بوتين القيام بذلك مدفوعاً بمصالحه هو قبل أي شيء، لأنه سيكون حريصاً على قطف ثمار صفقاته مع واشنطن.

أخيراً، ليس من الواضح بعد ما إذا كان ترامب يدرك الفرق بين الصفقات التجارية التي برع فيها والاتفاقيات السياسية التي سيحاول إبرامها بنفس منطق المساومة والربح والخسارة. في السياسة الحسابات أكثر تعقيداً والصفقات ليست أمراً ثنائياً يخص المتفاوضين فقط. هناك عشرات الأطراف الداخلية والخارجية والرأي العام. وهو ما يجب وضعه في الاعتبار.

 

أخبار ذات صلة

Check Also
Close
Back to top button