سيسجل التاريخ كل هذا الذي يحدث في حلب، إنه لا ينسى، ولا يتغافل، ولا يجامل، لكل فئة صفحات، ولكل فعل تصنيف، ولكل اسم مكان يستحقه.
في هذه الأيام من الشهر الأخير لسنة 2016 يتقاتل العالم كله في «الشهباء» حلب العربية السورية، كل طامع مستبد له ممثلون هناك، يحملون السلاح، ويقتلون حسب الهوية أو الشكل أو اللهجة أو اللغة. رئيس ينتقم من شعبه، ورئيس اكتشف أنه يستحق أن يكون إمبراطوراً أو قيصراً في بلاد الشرق، وبينهما زعماء عصابات طائفية ومذهبية وقومية يعيثون فساداً في الأرض، ومن خلفهم أبرياء يعدمون في الشوارع المدمرة، أطفال ونساء تتصارع الوحوش على استباحة دمائهم.
قبل 34 عاماً دخلت جحافل الإسرائيليين بيروت، احتلتها، وفرضت شروطها، وساندت أعوانها، وارتكبت مجازرها، وتفاخر قادتها، فأين كل ذلك اليوم؟
إنهم في صفحات الخزي والعار، هناك وضعهم التاريخ، تحت بند المجازر والمذابح وهدم المدن، ويكفيهم «صبرا وشاتيلا» وما حدث فيها لتلطخ وجوه كثيرة بما جنت أيديها. أما بيروت فقد عادت كما هي، عروس الشرق، وعاصمة لبنان المستقل، لم تتحرك من مكانها، ولم يغير ملامحها غاصب أو محتل.
وهكذا هي حلب، إنها باقية أبد الدهر، حاضرة من حواضر العرب، لن يزحزحها قاسم سليماني من مكانها، ولن يغير لسان أهلها، ولن يبدل الروسي قبلتها، هي ثابتة وهم متغيرون، ولن يستقروا فيها. أقول ذلك وهي تكاد تسقط في براثنهم هذه اللحظة، لثقة بمخزون هذه الأمة، فهذه المأساة ليست آخر المطاف، ولن تكون ما دامت الأطماع البشرية متوغلة في النفوس، وأحلام الأباطرة والقياصرة تراود الأشرار، ولكننا تعلمنا من التاريخ، القريب والبعيد، أن الكبوة يتلوها نهوض، وإن تلفتنا حولنا سنسأل عن حملات صليبية مرت هناك، واستقرت دهراً، ثم زالت ممالكها المصطنعة، وغابت شمس إمبراطوريات هزمتها حلب ودمشق وعكا وعين جالوت وحطين والقدس، فماذا بقي من ريتشارد قلب الأسد؟ وماذا خلف هولاكو من ذكرى في صفحات التاريخ؟
المجرمون لا ينالون غير الخزي، والتاريخ يعرف أين يضعهم.