تسابق حكومة اليمين «الإسرائيلي» برئاسة بنيامين نتنياهو، الزمن، لإطلاق سلسلة مشاريع استيطانية مع بدء تسلم الرئيس الأمريكي الجديد، دونالد ترامب، مهامه في البيت الأبيض. ويبحث الكنيست مشروع قانون لإضفاء الشرعية على البؤر الاستيطانية التي أقامتها الجماعات الاستيطانية في أنحاء مختلفة من الضفة الغربية المحتلة، بينما تتولى بلدية الاحتلال في القدس وضع اللمسات الأخيرة على اثنين وعشرين مشروعاً استيطانياً في القدس المحتلة.
والغريب في مثل هذا الوضع، أن يخرج وزير الخارجية الأمريكي، جون كيري، بتصريحات ينتقد فيها بشدة، سياسة الاستيطان لتدميرها إمكانية حل الدولتين، قائلاً: إن «إسرائيل» تتجه نحو منحنى خطر.
وتابع كيري، في السياق ذاته: «لن يكون هناك اتفاق سلام بين العالم العربي و«إسرائيل»، ما لم تصحح الأخيرة علاقاتها مع الفلسطينيين». ولفت إلى عدم إمكانية مواصلة «إسرائيل» سياسة الاستيطان، ومساعي حل الدولتين معاً، مشدداً على ضرورة أن تختار «تل أبيب» إحداهما. وعقب هذا التصريح الذي أدلى به كيري، وهو على وشك ترك منصبه، أعلنت الخارجية الأمريكية عن استيائها لمشروع القانون الذي يقترح إضفاء صفة قانونية على أربعة آلاف وحدة سكنية، أقيمت في الضفة، وقد تم إقراره في الكنيست بالقراءة الأولى، ويحتاج إلى قراءتين أخريين.
والغريب أن الإدارة الأمريكية، برئاسة باراك أوباما، لم تفعل شيئاً تجاه التوسع الاستيطاني في عهدها، حيث أقام «الإسرائيليون» 17 ألف وحدة استيطانية في عهده، أغلبها بأموال أمريكية أو جمعيات تعمل في الولايات المتحدة، بحيث فاق التوسع الاستيطاني في عهد الديمقراطي أوباما، مثيله في عهد الجمهوري جورج بوش. لذا يعد «الإسرائيليون» العدة لمفاجأة الرئيس ترامب بمشاريع استيطانية ضخمة، لا يسعه سوى الصمت عنها لترويضه كي تتطابق سياسته مع سلفه من الرؤساء الأمريكيين.
على أية حال، ما زالت إدارة ترامب في طور التكوين، وأكثر ما أثار مخاوف «إسرائيل» هو احتمال أن يتولى الجنرال، جيمس ماتيس، وزارة الدفاع الأمريكية، وهو المعروف بتأييده لحل الدولتين، ما يتعارض مع السياسة الاستيطانية للحكومة «الإسرائيلية» التي تجتهد على الأرض لمحو إمكانية إقامة دولة فلسطينية بنشر المزيد من المستوطنات التي فاق عددها 220 مستوطنة، إضافة إلى أربعين أخرى، يُجرى إعداد قانون لمنحها صفة قانونية حكومية، مع أن الاستيطان بمجمله غير قانوني، وفقاً للقانون الدولي. وقد نبش «الإسرائيليون» في ملف الجنرال ماتيس ووجدوا تصريحات معارضة للاستيطان، وتشير إلى أن الاستيطان سيؤدي إلى نظام عنصري، وأن الاستيطان يؤلب العرب ضد الجيش الأمريكي.
السلطة الفلسطينية من جانبها لا تملك وسائل للرد أو لجم الموجة المنتظرة من الاستيطان أو حتى مواجهة قانون منع رفع الأذان في القدس المحتلة، أو بناء معبد يهودي في قلب القدس، قرب المسجد الأقصى، وبرز الإهمال في عدم فوز أي من مرشحي القدس في اللجنة المركزية لحركة فتح، ما يؤكد المزيد من التهميش للمدينة، حيث استطاب الاحتلال الوضع العربي الذي لا يكترث بالقدس، فعمد إلى تغليظ هراوته على المقدسيين وأخرج رزمة من المشاريع الاستيطانية فيها. وما تبقى أمام السلطة هو اللجوء إلى مجلس الأمن لاستصدار قرار ضد الاستيطان، لكن احتمالات نجاحه قليلة بسبب الموقف الأمريكي الذي لن يتغير، رغم أن كيري قال إنه لم يعد من الممكن الدفاع عن «إسرائيل» في المحافل الدولية. وهناك مؤتمر باريس المنتظر الذي تستعد فرنسا لاستضافته في الثلث الأخير من هذا الشهر، لكن احتمالات نجاحه قليلة أيضاً؛ لأن الرئيس الفرنسي فقد تأثيره داخلياً وخارجياً، وليس ثمة قبول «إسرائيلي» بالمؤتمر، ولن تشارك «إسرائيل» فيه، وبالتالي لن تكون هناك مشاركة فلسطينية، ما دام العدو لن يحضر، ويحاول الرئيس الفرنسي عقد لقاء بعد المؤتمر بين الرئيس الفلسطيني محمود عباس وبنيامين نتنياهو، لكن إمكانية نجاحه ضئيلة أيضاً؛ لأن نتنياهو رفض مسبقاً الدعوة الفرنسية، وهو منهمك في معركة ترويض الرئيس المنتخب ترامب، لكي لا يخرج عن نواميس السياسة الأمريكية الخاضعة لـ «إسرائيل».