قامت «إسرائيل» على مشروع أساسه الأرض. من هنا الكيبوتزات التي أنشأتها في الأراضي الفلسطينية المحتلة. المستوطنات أو المستعمرات تشد اليهودي إلى الأرض لأن أساسها الزراعة. والزراعة عندما اكتشفها الإنسان ربطته بالأرض لأنه يجب أن ينتظر عاماً بكامله ليحصد ما زرعه.
التكنولوجيا في العصر الحديث قلبت موازين القوى. سلاح الجو عندما اخترع وتحول إلى جزء من الجيوش أمكن له حسم الكثير من المعارك الحربية.«اسرائيل» نفسها حسمت بسلاح الجو حرب حزيران- يونيو 1967 ولا سيما ضد مصر. مع ذلك فإن تمسك «اسرائيل» باحتلال الأرض لا يقوم فقط على أنها جزء من أرض الميعاد التاريخية المزعومة. بل لأن الأرض شرط ثبات الدول ولأنها لا تزال رغم كل شيء الدرع الأخير للدفاع عن الهوية. الأرض تصاحبها شروط العيش من وجود الماء والثروات الطبيعية فضلاً عن القيمة العسكرية لها.
انسحبت «إسرائيل» من غزة لأنها أصبحت عبئاً لا يقدم ولا يؤخر على الأمن «الإسرائيلي». لكنها تتمسك بهضبة الجولان. لأنه حاجز دفاع عسكري بري ضد أي هجمات من «العدو» أي من سوريا. في لبنان لم تستطع الاحتفاظ بجنوب لبنان بعد اجتياحه عام 1982 لأن بقاءها سيكون مكلفاً رغم أنها تتطلع إلى مياه الليطاني.
أما في الضفة الغربية فإن تمسك «إسرائيل» بها ولو انسحبت شكلا من بعض مناطقها، له كل الأسباب التي ذكرنا من وجود مياه جوفية ضرورية للمستوطنين الصهاينة،وليس لفلسطينيي الضفة.وكذلك لأنها أكثر من ضرورة برية للدفاع عن «إسرائيل» 1948. فضلاً عن الزاوية التاريخية التي تنظر منها إلى الضفة.
قبل أيام شرّع مجلس الوزراء «الإسرائيلي» البؤر الاستيطانية في الضفة الغربية واعتبرها جزءاً من الكيان «الإسرائيلي».
هذه التي يسميها العدو بؤراً استيطانية ليست سوى أراض جديدة يحتلها ويعمل من خلالها على توسيع حدود 1948.
ما تبقى من فلسطين اليوم عمليا ليس سوى بعض الأراضي في الضفة الغربية الواقعة أساساً تحت السيطرة والسيادة «الإسرائيلية» الأمنية والاقتصادية مع فتات ما يسمى من الحكم الذاتي الفلسطيني الذي لا يشبه أياً من الحكم الذاتي في أي بلد في العالم.
أما غزة فهي عمليا تحولت إلى سجن مفتوح لا يؤثر كثيراً في المعادلة الأمنية بسبب انغلاقها على أي مدد من العالم الخارجي.
لقد تحولت القضية الفلسطينية من قضية تطال كامل فلسطين من النهر إلى البحر إلى قضية تخص أراضي محتلة تنتظر من يضغط على «إسرائيل» للانسحاب منها وختاماً إلى قضية أراض مشتتة في الضفة الغربية ل «أقلية» كانت سيدة البلاد.
إنها [bctt tweet=”المأساة الكاملة لشعب ينصهر في بوتقة المستعمر” via=”no”].لشعب ترك لغياهب النسيان.
كما مر الاحتلال عام 1967 وكما مرت كل المجازر في الضفة وغزة، سيمر قانون إلحاق البؤر الاستيطانية في الضفة بدولة الاحتلال من دون ردة فعل كافية لمنع تمريره.
تمر القضية الفلسطينية في أسوأ مراحلها. انقسام فلسطيني خطر بين غزة والضفة. وتخلٍ شبه كامل في الضفة عن خيار المقاومة المسلحة الذي باتوا يعتبرونه ضرراً للقضية الفلسطينية.المشكلة أن خيار المقاومة المدنية لا يُعتمد لمقاومة الاحتلال، فيما الاعتماد كل الاعتماد على قرارات دولية لا تنفذ وعلى عطف من دول كبرى همها الأول والأخير حماية أمن «إسرائيل» لأنهم يعتبرون هذا الكيان مخفراً أمامياً لهم في وجه الخطر الإسلامي عبر التاريخ.
القضية الفلسطينية ليست فقط فلسطينية. ومن هنا كل هذا السعي الغربي لتفتيت العرب والمسلمين. وليس أفضل من إساءة للقضية الفلسطينية من غرق العرب في تصفية حسابات بينية في ليبيا وسوريا واليمن والعراق وحيثما أمكن لهم. فيما يغيب الخطر الاستراتيجي الصهيوني عن أولوياتهم.
لقد حذّر القوميون العرب،مسلمين ومسيحيين، منذ عصر النهضة في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، من الخطر الصهيوني.فهل يعقل أن نبقى مستغرقين في عدم رؤية الخطر الأعظم علينا بعد قرن ونصف القرن من تلك التحذيرات؟